في واقع متهدّم، واقع يضجّ بالصّراخ وترتجف فيه أعناق القتلى، ينشغل الشّعر بالبحث عن حلّ ما. الحبّ يمكن أن يكون نافذة النّجاة الصغيرة، أو واحداً من الأقنعة التي يلجأ إليها الشعراء عادةً، ليداروا بها الوحشة التي تفتك بقلوبهم. ولعلّ الجسد، أو «خزانة الفتنة» بما يبثّه من تصوّرات وأحلام، أن يكون المعادل الموضوعي لحالات الارتكاس والهزائم. في ديوانه الجديد «ولكنّنا واحدان»، الصّادر حديثاً عن «أكاديميّة الشّعر» في أبو ظبي، والفائز بجائزة «دبي الثقافية»، يحتفي الشاعر الفلسطيني عبد الله أبو بكر بالمرأة، ويكتب لها القصائد. وربّما يشير عنوان الديوان هنا «ولكنّنا واحدان»، إلى حالة الاندغام التي يصبح عليها العاشقان، وهي مرحلة من السّمو الروحي التي تشير إلى ذروة الوجد. يفتتح أبو بكر ديوانه بقصيدة بعنوان «أنستاسيا»، التي يقول فيها: «عندما أحببتُها/ مالت جبالٌ/ واحتفلتُ بكلّها/ وقفتْ نجوم نهارها قربي/ فشاهدتُ السّماءَ تدورُ/ تفتح صدرها/ لأرى صفات الله تلمعُ كالذّهب». في هذه القصيدة كما نرى تقدح نار الحبّ، فتغتبط الكائنات، وتفيض روح المكان بالجمال. لكأنّ الذي حدث، ليس مجرّد علاقة بين رجل وامرأة، بقدر ما هو زلزلة كونية جميلة، وانبثاق عارم للفتنة التي ستجلِّل كلّ شيء. ليست الخيبة التي يُعلن عنها الشاعر، هي خيبة الحب فقط، وإنّما هي في الواقع خيبة البلاد التي تجلّلها المأساة، وتفتك بشعوبها الحروب والأمراض والمجاعات، حيث صناعة القتل هي الحرفة الرائجة، والرحيل عن الوطن هو طوق النّجاة الوحيد الذي يلوح بعيداً عن أيدي القتَلَة. جميل أن يدخل الشّعر التّحدّي ويدافع عن معاني الحبّ والجمال، ولكن ما الذي فعلَتْهُ قصائد الحب التي كتبها أدونيس ومحمود درويش والسّيّاب والبيّاتي ومحمد الماغوط، في هذا الشّرق الذي ظلّ يغلي بالحروب والمجازر؟ إذن رحلت المرأة، أمّا هو فقد وقع أسير الحيرة والأسئلة: «كيف أعي الآن/ أنّكِ لن تعودي؟/ كيف أغمض عين القصيدة/ حين أحرّر بالي المشغول بكِ/ أنا المهرول خلفَكِ كقطيعِ أشجارٍ أعمى؟/ ربّما هو الوهم أتعثّرُ بهِ/ ثمّ أعود لأقف كريح عرجاء». بهذا الرحيل القاسي تكون الوحشة قد أطبقت كفّيها على روح الشّاعر، فلم يعد هناك من طيف يؤنسه. وتأكيداً على ما نذهب إليه فقد صَدّر الشاعر ديوانه بهذا الإهداء: «إلى عبد الله أبو بكر».