×
محافظة المدينة المنورة

البلادي يتفقد «توقيف الوافدين» بعد ضمه للسجون

صورة الخبر

الاثنين 30/9/2013: مثل بركان الكاتب السياسي السوري معجب بإيديولوجيته في تفسير ما يحدث، وهو يأنس دائماً بلازمة إسقاط النظام الديكتاتوري وإقامة حكم مدني ديموقراطي. يحدث ما يحدث والكلام يتكرر وطريقة التحليل والإسناد والحكم. أما الأدباء والفنانون فيعبرون عن معاناتهم في ثورة تحولت حرباً ملتبسة، فترى معظمهم صامتاً لأن الوجدان الحائر يعجز عن التعبير الصادق. قال صديقي السوري ان ما يحدث يصعب وصفه، فهو ثورة وحرب أهلية، وإعلان مجتمع انه ليس مجتمعاً حقاً، وطفرة للماضي الكامن حين يطلق جوفه الناري مثل بركان ويغمر التراب والزرع والبيوت وأماكن عيش الحيوان والطير. وقد تطلق على هذه الحرب صفة مسرح الصراع الدولي، أو أنها مسرح حر للمغامرين واللصوص ومجانين السلطة، أو حقل تجارب للأسلحة الجديدة أو... قلت: هذا الكلام مثل إهانة. قال: لا أتوجه الى الصادقين الذين صاروا ضحايا أو أسرى محاطين بالمسلحين أو هاربين الى أماكن قريبة أو بعيدة.   > الثلثاء 1/10/2013: عبده وازن لا يعرف كثيرون توقيع «عبده قيصر وازن» على قصائد أولى ونثر فني في صحف لبنانية عندما كان وازن دون الخامسة عشرة من العمر. كأن الفتى حين أصرّ على اسم أبيه مقترناً باسمه أراد للأب حياة جديدة تعوض عن موت مبكر. لكن الشاعر وازن بعدما انتقل من هواية الكتابة الى احترافها، إذا صحت التسميتان، تحرّر من اسم الأب، كأنه لا يريد إقحامه في كتابة ناضجة لا تسالم الواقع دائماً بل تضطر الى مصادمته. لكن الأب يعود هذه المرة في كتاب لا في اسم، ففي «رواية سير ذاتية»، كما يعرفها عبده وازن، عنوانها «غرفة أبي» (منشورات ضفاف، منشورات الاختلاف - 2013)، يظهر الأب في صور شتى مستقلة ومتداخلة مع الزوجة والأصدقاء والابن، ومع الأمكنة المتحولة في بيروت وما جاورها. وإذا صح أن نعتبر الأب والابن قطبين لرواية عبده وازن، فإن عين الطفل وحنكة المثقف تفقدهما استقلالهما، فليس من صورة وحيدة وإن امسكناها باليد وتأملناها. هناك دائماً فضاء للمشاركة في المكان والزمان وفي التأمل العابر الحدود. الأب في الرواية يختصر آباء في الأدب والفن والدين، لذلك تبدو سطوته خفيفة، بل هو يدفع الى الحرية بدل أن يقيدها مثل الآباء التقليديين، ربما لأنه مات شاباً فلم يبق سوى علاماته الإيجابية. يكتب عبده وازن رواية تجريبية تفتح السرد بلا حدود، مستخدماً تقنيات عدة هي عفو الخاطر أكثر منها تخطيطاً مسبقاً يعتمد التداخل. هنا لا حدود بين الواقع والخيال، بين غرفة الأب وشوارع المدينة، بين الصورة الجامدة والواقع الذي يتحول دائماً. في روايته «قلب مفتوح»، لامس عبده وازن السيرة الذاتية، وهو يلامسها مجدداً في «غرفة أبي»، لكن الروايتين لا تستنفدان السيرة، كأن لحظة الحياة العابرة تفيض عن آلاف الصفحات إذا أحسنّا كتابتها وعياً وحساسية وارتباطاً بأشياء العالم. ولا يستطيع قارئ «غرفة أبي» إلاّ التنويه بأمر أولي في السرد هو التشويق الذي نكاد نفقده في كتابات كثيرة شائعة. تقرأ الرواية هذه فتترك مشاغلك لتكمل قراءتها، وتستقر في ذاكرتك شواهد منها تطاول الخاص الحميم والعام المشترك. هنا شاهد من الرواية: «فتحت مرة نافذة غرفتك فرأيت السماء موشحة بالأحمر. خفت أيها الأب. كانت السماء تمطر دماً. كنت أشاهد الدم يتطاير من قنانٍ يفتحها أشخاص لم أكن أتبينهم. يفور الدم مثل النبيذ الساخن. كانوا يشربون الدم، يَلغونه بألسنتهم، يتنشقونه. لم أبصر وجوههم، كانوا بلا وجوه. صار الدم يقطر من شقوق في زوايا السقف. ظل يقطر حتى ملأ الأرض وخضّب السرير والطاولة. غسلني الدم ورحت أصرخ. عندما استيقظت كان قلبي لا يزال يخفق، أضأت النور ونهضت. رحت أشرب ماء لأزيل طعم الدم من الفم. كانت رائحته لا تزال تهبّ بحموضتها. ضممت نفسي وأغمضت عينيّ. هذا الكابوس راودني مرات أيها الأب وكل مرة كنت أخاف، أخاف أكثر فأكثر. لكنني كنت على يقين أن العالم بات يذرعه أشخاص نسمّيهم «دراكولا»، أشباح بأنياب بيضاء يتعطشون الى الدم ولا يرتوون. كنت أخاف أفلام «دراكولا» أيها الأب، كنت أتحاشى مشاهدتها، مع انها كانت تبهرني. وآخر هذه الأفلام هزّني بقوة. كدت أصدّق أن «دراكولا» هنا، في هذا العالم، أنه وراءنا أو أمامنا، أنه يستيقظ في الليل، يخترق الجدران ويغرز أنيابه في أعناق النائمين. كانت غرفتك أيها الأب ملاذاً ألجأ اليه في الساعات العصيبة. أتخيلها بضوئها الخافت ودفئها. في هذا العالم لا بدّ لنا من غرفة أب، علينا أن نخترعها أو نتوهمها هذه الغرفة إن لم توجد. ما زالت غرفتك تقع عند خط الحنين الذي يتقاطع مع خطّ الألم. ما برحت هناك، في زاوية من زوايا هذا القلب. أهرب منها ثم ألجأ اليها».   > الأربعاء 2/10/2013: أين هي؟ ولكن، أين هي الثورات. قيل إنها فيض النفس الجمعية الذي سرعان ما يخمد، نتحمس لها ثم نندم وننصرف الى بناء ما تهدم وذكر موتانا. لو لم تقم ثورات، هل كان العالم أفضل؟ ربما. قال الروسي إن الثورة البلشفية عام 1917 التي نشرت الشيوعية في بلاد العالم، أعاقت التطور الطبيعي لروسيا. ولكن، لا بد من الحركة، مباركة أو ملعونة، لكنها حركة المجتمع حين يهاجم التخلف والجهل، وحين يهاجم أيضاً الإنجاز الحضاري ويحطمه.   > الخميس 3/10/2013: حمزة عبود سبق للشاعر حمزة عبود أن كتب نصوصاً سردية في رواية «حكايات الشاعر بلوزار» (1988) ومجموعة القصص «هدوء حذر» (1998)، وفي هذا الإطار جديده «كنت كثيراً، لم أكن أحداً - في أحوال الطفولة والصبا». (عن دار الانتشار العربي في بيروت - 2013). سيرة أولى للشاعر ما بين عدلون وصيدا والبحر المجاور للقرية والمدينة، في الأمكنة المصحوبة دائماً بحركة الفتى حين يتعرف الى الطبيعة والعمران والناس ويمارس تجاربه الأولى. هنا الحياة تتجاوز الضوابط فنرى الفتى يهرب من المدرسة مع أصدقائه لصيد العصافير واكتشاف الأماكن المجهولة أو الخطرة، بما في ذلك البحر: «أصغيت الى البحر ولم آمن حركاته الماكرة، لكنني لم أمتنع عن مجاراته واللعب معه حين أكون ممترساً خلف أحد أصدقائي أو أحد الصيادين الكبار من أقاربي. ثم بدأت أسبق أصدقائي الى التنقل في مساحات شاسعة من البحر لا تحدها أبصار العابرين على الطريق العمومي. وتعلمت كيف أركب موجة الى أعلى صخرة القرن وكيف أغطس لأكتشف مغارة في العمق وكيف أضع علامات لأعرف طريقي تحت الماء. وأصغيت الى البحر في أحوال لا أستطيع حصرها أو ترتيبها في هيئة واحدة، وخطر لي أنه يشبه جدي حين تداعت إليّ صورته بقمصانه الزرقاء التي كان يرتديها في معظم الأحيان، والتي تتدرج من الأزرق الفاتح الى الأزرق الهادئ الى المتماوج الى الغامق الى النيليّ الى اللازوردي الى الفيروزي الى الموشح بالفضي والرمادي والسنجابي والأخضر والأسود». في الكتاب تجارب فتى اقتضت الظروف أن يتعلم في صيدا بعيداً عن أبيه وأمه، مقيماً في شقة صغيرة مع شقيقه الكبير وزملاء في صفوف أعلى من صفه، وفي العطلة الأسبوعية يذهبون جميعاً الى القرية ثم يعودون مع زوادة طعام تكفيهم حتى العطلة المقبلة. حرية مصحوبة بمسؤولية لا يقدر الفتى على عبئها المبكر، لذلك يكثر رسوبه في الامتحانات لانصرافه الى قراءة خارج البرنامج وحضور أفلام مصرية وأجنبية تغذي خياله بالصور والحكايات والموسيقى والأغاني. ويرسم حمزة عبود خطط مدينة صيدا من خلال وعي الفتى المبكر، فنتعرف الى المدينة المحافظة ومحالها التراثية التي تنتج الأطعمة والحلويات وتبيعها، ونلمس هدوء العيش الذي لا يلبث أن يهتز على وقع القضايا العربية الكبرى فنرى صوراً مهتزة لتظاهرات تناصر الوعي القومي التحرري. وحين يتلقى الفتى خبر وفاة رفيق مغامراته في القرية، تتشكل لديه صدمة وعي، وينصرف الى تجربته الضائعة بين مكانين والذاهبة الى أحلام يؤلفها من كتب جبران خليل جبران وأغاني عبدالحليم حافظ وجسد مارلين مونرو. مسرح الفتى قرية لم يدرك تماماً أسرار طبيعتها وبحر تمكن من السيطرة على أخطاره ومدينة تعلمه الجديد في تنوعها وكتبها المعروضة على الأرصفة. ويبلغ الفتى الرجولة ذات ليلة عبر أحلام تتشكل من نتف مشاهد نسوية في الواقع وعلى الشاشة. وينمو وعيه بالمشاهدة والقراءة ومعاينة أحياء المدينة، وليس للأب والأم هنا سوى المحبة والمراقبة، كأن حمزة عبود يستعيد على نحو خاص تربية جان جاك روسو وفتاها المنفرد الذي يتعلم من الطبيعة. العنوان يلخص السيرة «كنت كثيراً، لم أكن أحداً»، لكن الكتاب هو أيضاً تعريف بمدينة صيدا في ستينات القرن الماضي بعيني فتى آت من القرية. المدينة التي أشار الكاتب الى انها تبدأ بحي «القملة» وتنتهي بحي «البرغوث» في ما يشبه الشكوى من النسبة الى حشرتين قذرتين، ستطفر حداثتها بعد ثلاثة عقود، لكنها لا تزال تعاني رغبة في الانكفاء والعزلة، أي في أن تكون قرية بحرية لا مدينة. أما الحشرتان فقد ابتكر لهما أحد الأصدقاء حلاً مشرفاً. قال إن «القملة» تعود الى اللفظ الفرنسي Comme lait، أي «مثل الحليب»، وهو وصف للنهر الصغير حينما يختلط ماؤه بالتراب الكلسي، وقال ان «البرغوث» تعني بالفرنسية Par gouttes أي نقطة نقطة، إشارة الى ندرة المياه في النهر الصغير آخر المدينة.