تهتم كل فتاة مقبلة على الزواج بتفاصيل حفل الفرح، ابتداءً من القاعة وكروت الدعوة، وصولاً إلى اختيار فستان الزواج وطريقة "الزفة"، إلاّ أن الواقع المؤلم أنها تصطدم بعد الزواج بالواجبات التي لابد من أدائها، سواء مسؤوليات الزوج أو الأبناء، ما يدفعها للهروب منها بالتواجد بشكل دائم، وربما يوميا في منزل أهلها، وهنا قد يقع كثير من المشاكل بين الزوجين، وربما وصل الأمر إلى الطلاق. إن أغلب الفتيات ينقصهن التعامل جيداً مع الحياة الجديدة، بل إن بعض الأُسر لا توجه "بناتها" التوجيه الأمثل قبل الزواج، ما يعني تدخل الأم ونصحها لابنتها، وحثها على الاهتمام بمنزلها وأطفالها، وأن تكون على قدر المسؤولية التي تتطلبها تكوين أسرة سليمة؛ لأن تجربة المسؤولية الزوجية تكون جديدة على الفتاة، وهو ما يتطلب تكثيف الدورات الاجتماعية التي تناقش العلاقات الزوجية، وتدريب الفتيات على كيفية تنظيم الوقت لإعطاء الزوج والأبناء والمنزل حقوقهم؛ لأنهن إذا استطعن التوفيق بين واجباتهن ومسؤولياتهن استطعن الحفاظ على علاقة زوجية سعيدة وهي خطوة أساسية نحو الاستقرار. مسؤولية وهروب وقالت "حصة العنزي": إن أغلب الفتيات يعتقدن الزواج مجرد سفر وتسوق، حيث يهربن من واجباتهن الزوجية بشكل ربما يكون دائماً، مضيفةً أن ابنها تزوج قبل عام لكنه لم يستمر؛ بسبب الزيارات اليومية لمنزل أهلها وإهمالها له، مبينةً أنه وجد حجم الإهمال في منزله، إضافةً إلى عدم الطبخ، ذاكرةً أنه حاول جاهداً نصحها لكن من دون جدوى، وعندما طالبها بأداء واجبها يكون رد زوجته: "أنا لست خادمة، في منزل والدي لم أكن أعمل شيئاً!". وأوضحت "أماني مبارك" - متزوجة وأم لطفلين - أنه في بداية زواجها كانت تحرص على زيارة أهلها يومياً، واستمرت كذلك لمدة سبعة أشهر، لكن الأمر لم يعجب والدتها التي نصحتها بأهمية البقاء في منزلها، ومراعاة زوجها، مضيفةً: "لم أستمع لها، وذات يوم حضرت كالعادة ووجدتها تستقبلني بكلمة بيتك ولا أشوف وجهك، حيث طلبت من السائق إيصالي لمنزلي"، لافتةً إلى أنها بكت وحزنت كثيراً، لكن مع مرور الوقت أدركت مدى خوف والدتها عليها وحبها لها. وذكرت "فاطمة محمد" أنه من الطبيعي وجودها باستمرار في منزل والدها؛ لأن زوجها خارج المنزل مع أصدقائه في الاستراحة، وليس من المنطق البقاء لوحدها، مؤكدةً أنها لا تذهب إلاّ بعد أداء مسؤوليتها المنزلية. شعور بالغربة وتحدثت "هديل بدر" - طالبة جامعية وأم لطفل - قائلةً: إن زوجها لم يشعر بالاستقرار معها في بداية الزواج، وذلك بسبب بكائها المتواصل لشعورها بالغربة والبعد عن الأهل، إضافةً إلى زياراتها اليومية لوالدتها، ما ترتب عليه إهمال حقوقه، لكن حبه لها جعله يتحمل كل ذلك، مبينةً أنه بعد إنجاب طفلها أصبحت تفضل البقاء في منزلها والاكتفاء بزيارة الأهل مرة في الأسبوع. وبيّنت "ابتسام الشيباني" - أخصائية اجتماعية - أنه لابد من إدراك أن الزوج أحد الأسباب التي تدفع الفتاة للنفور من منزل الزوجية، ومنها تفضيله البقاء بصحبة الأصدقاء والجلوس معهم في الاستراحات لساعات طويلة، كذلك عندما تحتاج إلى زوجها في أوقات الأزمات تبحث عنه خارج المنزل، وإذا حدث وجلس فترة في المنزل فإنه يفضل الاختلاء بنفسه، مضيفةً أنه من الطبيعي خروج الفتاة من المنزل باستمرار لزيارة أهلها؛ لأنها تشعر بالغربة والوحدة في بداية الأمر، ويصاحب ذلك اضطرابات نفسية كالبكاء المتواصل والاكتئاب، خاصةً إذا كانت من النوع الذي لم يتعود على المكوث في المنزل بسبب خروجها الدائم لزيارة الأقارب أو الصديقات أو النادي، ذاكرةً أن الزوجة قد تضجر من شريك حياتها حين يكثر من توجيه الأوامر والانتقادات لها، أو حين تشعر بتجاهله، مشيرةً إلى أنه عندما تعيش الفتاة مع أهل الزوج، فإنها تعاني من إلقائهم كل الأعباء عليها، وكذلك توجيه الانتقادات لها، ما يجعلها تُفضل قضاء وقتها خارج المنزل. ميزان المسؤولية وقالت "د. هياء المزيد" - رئيسة قسم الخدمة الاجتماعية الإكلينيكية في المدينة الطبية الجامعية بالرياض - إن معاني السعادة الزوجية بين الماضي والحاضر اختلفت، فهناك معايير كانت موجودة لتنظيم العلاقة بين الزوجين لتحقق أهداف الزواج عبر تكوين أسرة صالحة تربي الأبناء ليكونوا بذرة صالحة لأجيال قادمة، حيث أن الميزان الذي يقاس به نجاح تلك الأسر هو ميزان المسؤولية الذي تتحمل الزوجة فيه كفتها ليتحمل الزوج الكفة الثانية لتحقيق معادلة السعادة الزوجية، وكذلك تحقيق أهداف تكوين الأسرة من التربية والتعليم وإكساب الأبناء القيم الإسلامية والاجتماعية السليمة، متسائلةً: هل بقي ميزان المسؤولية كما كان في السابق من تحمل كل طرف لمسئولياته؟، للأسف لا، مضيفةً: "لنبدأ بتحليل موقف فتيات اليوم تجاه المسؤولية الزوجية، نجد أن فتيات اليوم تتزوج لتسافر في شهر العسل وبعد عودتها تسكن في منزل الزوجية الذي تشترط معظم الفتيات قربه من منزل أهلها، لتكون مقيمة فيه بشكل غير رسمي، فهي تستغل كل الفرص للزيارة اليومية، وهنا تكون مقيمة فيه، فإذا رغب الزوج في الخروج لعمل ما تجد الزوجة تقول له اتركني عند أهلي وخذني عند عودتك"، متسائلةً: كيف يمكن لهذه الزوجة أداء مهام ومسؤوليات المنزل اليومية؟، وهي لا تلبث أن تستيقظ من نومها لترتب جدول زيارتها واجتماعها مع أخواتها للخروج أو لقاء الصديقات أو الاجتماعات العائلية، لتتسع مساحة دائرة الزمن الذي تكون فيه خارج المنزل عن دائرة زمن بقائها في المنزل. سلوك اللامبالاة وأوضحت "د. هياء المزيد" أن معظم الفتيات اليوم يحاولن التهرب من المسؤولية إمّا لمقاومة الأعباء المترتبة على الزواج، أو لعدم وعيهن، مضيفةً أن هذا السلوك الواضح من اللامبالاة سيرتد عليهن في وقت قادم، فتتشارك الفتاة بمسؤولياتها التي عليها القيام بها مع والدتها وأخواتها حتى بعد أنجاب الأطفال فينشأ الطفل مع جدّه وجدته، بينما من المفترض أن يكون في كنف والديه، ليشعر بالأمن والاستقرار النفسي، متسائلةً: من هو المسؤول عن انتشار مثل هذه السلوكيات بين فتياتنا اليوم؟، مبينةً أن الزوجة تقع عليها المسؤولية الأولى في هذا الموقف، لكن هذا الجواب لا يعني أنها الوحيدة المسؤولة، فالشريك الأول هو الزوج الذي يتمثل دوره في الأسرة بأنه ربان السفينة وقائدها، فهو الذي يستطيع أن يحدد ما يجب أن يكون وكيف يكون وخير شاهد على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، وبهذا الحديث الشريف نجد أن الصلاحيات الممنوحة لراعي الأسرة وهو الزوج تمنحه الحق في تنظيم زيارة الزوجة لأهلها وتوجيهها لواجباتها عند ملاحظته لجوانب القصور في واجبات زوجته. توجيه ونصح وأشارت "د. هياء المزيد" إلى أن هناك من يشارك الزوج في المسؤولية وهي الأم التي ربت ابنتها العروس التي تزوجت لتستقل بحياتها وتكوّن أسرتها الخاصة، مضيفةً أنه لا مانع من التوجيه والتعليم؛ لأن تجربة المسؤولية الزوجية تكون جديدة للفتاة المتزوجة حديثاً، فعلى والدتها حثها بالاهتمام بمنزلها وأطفالها وعدم مسايرتها في كل ما تطلبه من توزيع أعباء مسؤولياتها على أخواتها أو والدتها، مبينةً أن هذا التوجيه هام جداً، ولا يعني رفض للفتاة أو إهمالها بسبب زواجها، لكن هو نوع من التوعية الهامة لتدريب ابنتها لتكون على قدر المسؤولية التي تتطلبها تكوين أسرة سليمة لتحظى تلك الفتاة بعلاقات إيجابية مع الزوج والأبناء، وهذا لا يقلل من الحب للابنة المتزوجة أو للأحفاد الذين يحق لهم العيش باستقرار في أسرهم بين والديهم، مُشددةً على أهمية تكثيف الدورات الاجتماعية التي تناقش العلاقات الزوجية وتدريب الفتيات على كيفية تنظيم الوقت لإعطاء الزوج والأبناء والمنزل حقوقهم؛ لأن الفتيات إذا استطعن التوفيق بين واجباتهن ومسؤولياتهن استطعن الحفاظ على علاقة زوجية سعيدة وهي خطوة أساسية نحو الاستقرار، حيث ستُقلّل من نسب الطلاق، فكم من زوج ينادي اليوم أرغب بزوجة كأمي، متسائلةً: ماذا يريد ذلك الزوج؟، يطالب بمستوى من المسؤولية الذي تعود عليه وعاش فيه وكانت والدته بطلته في يوم سابق. ووجهت رسالةً لكل فتاة، وهي: أنت ملكة في مملكتك الصغيرة، لهذا حافظي عليها واحرصي أن تلفي مملكتك بستار من المودة والرحمة التي ستجدينها تغمرك بكل الاستقرار في أيام حياتك القادمة، فما نزرعة اليوم نحصده غداً.