كنت أقود سيارتي و أنا أستمع إلى خطبة يوم الجمعة في إذاعة القرآن الكريم ، و كانت الخطبة تدور حول مولد النبي الشريف ( عليه الصلاة و السلام ) و كيف تصادف مع ذكرى مولد المسيح (عليه السلام ) ، و تحدث الخطيب عن قيم التسامح ومحبة أعدائنا ، و مقابلة عدوانهم بالأحضان ، كما أوصانا سيدنا عيسى في الكتاب المقدس . حانت مني هنا التفافة إلى تردد محطة المذياع ، و ساورني الشك للحظة أني استمع إلى محطة أخرى غير محطة القرآن الكريم ، حيث أن الشيخ قد تلا نصوص غير معتادين عليها كمسلمين أعلم أنها تخص أشقاءنا المسيحيين ، فإذا بي أصطدم أن التردد سليم و أن الشيخ يتلو نصوصا من المسيحية حقا و يخلطها بأحاديث من الرسول عليه الصلاة و السلام . وحدث لغط بين المصريين في مواقع التواصل الاجتماعي ، حيث أدخلهم الخطاب الديني الجديد دهاليز الممكن و الجائز و الحرام ، فيما فعله الخطيب في الاستدلال بنصوص خارج النصوص الإسلامية ، مما حفزني على عمل بحث سريع ، فهمت منه ما يلي : أولا . الدين في جوهره يعود إلى ثلاثة أسس: العقيدة، الشريعة، الأخلاق. والعقيدة والأخلاق الكلية واحدة عند كل الأنبياء والمرسلين، ولكن المتبدل هو الشرائع، بحسب اختلاف أحوال الأمم (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً، والذي أوحينا إليك، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى، أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) (قولوا آمنا بالله، وما أنزل إلينا، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتي النبيون من ربهم، لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) ثانيا . حث إسلامنا على البر بأصحاب الديانات الأخرى . و جاء ذلك في مواضع عدة (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من دياركم، أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين) و ضمن لهم كافة الحريات كحرية المعتقد، وممارسة الشعائر، وصون أماكن العبادة الى هنا . لا يوجد عداء بين أصحاب الكتاب المقدس و أهل القرآن ، لم تحثنا النصوص الدينية على قتالهم ، حيث يقتل ال 1.7 مليار ال 7 مليار الآخرين ! و لكل منهما أن يمارس شعائر دينه بحرية و أريحية تامتين طالما أن تلك الحرية لا تؤذي الآخرين . (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) ثالثا . بخصوص استدلال المسلمين من الكتاب المقدس أن الرسول عليه الصلاة و السلام رأى في يد عمر شيئاً من التوراة فغضب، وقال:((أفي شكٍ أنت يا ابن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لو كان موسى حياً ما وسعه إلا إتباعي)). والمقصود: أننا ننصحك وننصح غيرك ألا تأخذوا منها شيئاً، لا من التوراة، ولا من الزبور، ولا من الإنجيل، ولا تقتنوا منها شيئاً، ولا تقرءوا فيها شيئاً، بل إذا وجد عندكم شيء فادفنوه أو حرِّقوه؛ لأن الحق الذي فيها قد جاء ما يغني عنه في كتاب الله القرآن، وما دخلها من التغيير والتبديل فهو منكر وباطل، فالواجب على المؤمن أن يتحرز من ذلك، وأن يحذر أن يطلع عليها، فربما صدق بباطل وربما كذب حقاً، فطريق السلامة منها إما بدفنها وإما بحرقها إذا الاستدلال من غير ما أتى به الله و الرسول هو باطل لا يجوز ، و ما فعله الخطيب كان تجاوزا في إظهار المسامحة على حساب الدين الإسلامي. رابعا . هل يفتقر القرآن و هدي محمد إلى قيم المحبة و التسامح ليبحث عنها خطيب الجمعة في الكتاب المقدس ؟ و هل يدعو ديننا الحنيف أصلا إلى استعداء الآخرين واتخاذ العنف مذهبا و الإرهاب دينا ؟؟ و اذا كان الغرب يريدون ليروجوا هذه المزاعم الخبيثة لأغراض في نفوسهم تخدم مصالحهم الاستعمارية ، هل نتخذ حذوهم و نحن أدرى بمكة و شعابها منهم ؟؟ و ماذا ستكون حجتنا أمام الله و نحن العارفون العالمون بما أنزل ؟؟ خامسا. لم على المسلمين فقط إثبات نواياهم لغيرهم . و لم لا يطلب تغيير الخطاب الديني للقساوسة تجاه المسلمين . و لم لا توزع عليهم خطب جاهزة من وحي القرآن و السنة عملا بمبدأ الوحدة الوطنية ؟ سادسا . اتركوا ما ليقصر لقيصر ليس علينا في يوم جمعتنا أن نحول منبرنا الديني إلى منبر سياسي . المسلمون في هذا اليوم المجيد لا يريدوا إلا ليستمعوا إلى تعاليم دينهم الحنيف . كما يفعل أشقاؤهم المسيحيون في آحادهم ، و القنوات الفضائية تعج بهؤلاء الزاعقين بالوحدة الوطنية آناء النهار و أطراف الليل ، و كان ينقصنا أن نستمع إليهم في جمعتنا أيضا و يبدو أن وزارة الأوقاف قد وافقت هوى السيسي في دعواه إلى تغيير الخطاب الديني ، مع أن الخطاب الديني لوزارة الأوقاف لم يدع يوما إلى التطرف بأي شكل من الأشكال في السنوات السابقة. و اذا كان الهدف من تغيير الخطاب الديني مكافحة التطرف الديني ، كان ينبغي على الدولة أن تكف عن استخدام العنف الجسدي مع الشباب و أن تقابل الفكر بالفكر لا بالقتل و الاعتقال ، لتخلق حالة من وغر الصدور تجاه مؤسساتها ، بدل العبث بالمعتقدات الدينية للدولة و مسح هويتها ، حيث لا يسمع الآن إلا صوت الكنيسة . وقد اتخذت الأمور في الآونة الأخيرة مأخذا آخر ، حيث يصنف الإسلام أنه دين إرهابي ، و التبرؤ منه مدنية وأقرب الى حب الوطن ! و الغريب أن المحسوبين على الطبقة المثقفة لا ينفكون يطالبون بفصل الدين عن السياسة ، أما المضحك أن البابا تواضروس لا يتحدث إلا في السياسة حتى أن كاريكاتورا تداوله المصريون على مواقع التواصل الاجتماعي ، أنهم يمنون أنفسهم برؤية البابا الكنيسة المصرية يتحدث عن الدين و لو قليلا من باب التغيير ! و لم نر أحدا يعترض أو حتى يلمح من باب الاعتراض أو حتى على شيء من الاستحياء ،عن أن هذا يعتبر خلطا للدين بالسياسة ، إلا إذا كان مقصدهم و غايتهم هو فصل الدين الإسلامي فقط دونا عن غيره . ا المصريون