هل يمكن اعتبار شلالات "نياجرا" أكبر أو ضخم شلالات العالم؟ بالطبع "لا"، فهل يمكن أن تعتبرها الأجمل؟ كذلك الإجابة تأتي بالنفي مرة ثانية! إذن لماذا هي الأشهر على الإطلاق؟ إنها ببساطة الحرفية الأميركية في تسويق كل شيء مهما كان بسيطا أو تقليديا! فما بالك بنعمة طبيعة مبهرة! فشلالات نياجرا Niagara Falls الواقعة بين ولاية "نيويورك" الأميركية ومقاطعة "أونتاريو" الكندية يبلغ ارتفاع أقصى نقطة فيها: 167 قدما فقط، مقارنة بشلالات "إنجيل" الفنزولية، التي يبلغ ارتفاعها 3212 قدما! أما من ناحية الجمال فشلالات "أجوازو" العظيمة تتفوق بامتياز على الجميع، إذ إنها تتكون من 275 شلالا متتاليا على الحدود ما بين البرازيل والأرجنتين، وليست كما شلالات "نياجرا" التي تتكون من ثلاثة شلالات فقط! أجملها شلال "حدوة الفرس" على الجانب الكندي، ثم الشلالات الأميركية المستقيمة، التي تفصل بينها جزيرة "الماعز!"، ثم شلال أميركي صغير يطلق عليه "طرحة العروس". بيد أن اكتشاف شلالات "نياجرا" مبكرا، والعمل على تسويقها بشكل بصري وإعلامي مكثف، وتطوير بنيتها الترفيهية؛ جعلها الأكثر شهرة على الإطلاق، فموقع الشلالات تحول إلى متنزه وطني مملوك لحكومة الولاية ومفتوح لجموع السياح، التي عمدت إلى تطوير الموقع بواسطة تنسيق مسطحاته الخضراء، وتوزيع مواقع ذات إطلالات خلابة في أرجاء المتنزه، ثم بناء متحف وصالة عرض سينمائية، تعرض فيلما سينمائيا مبهرا عن تاريخ وقصة اكتشاف الشلالات منذ عام 1677، وكذلك مشاهد تمثيلية طريفة عن المغامرين والمغامرات ممن حاولوا ركوب الشلالات والنزول منها إلى أسفل! بالإضافة إلى بعض القصص المأساوية ممن أخذهم حظهم العاثر إلى الشلالات وسقطوا منها. أما الأجمل من ذلك فهو "كهف الرياح" وهو تجويف في باطن الأرض يأخذك إلى أقرب نقطة أسفل الشلالات الهادرة، اكتشف عام 1834 وطور ليكون مغامرة مدهشة لكل من يزور الشلالات، بحيث ينزل عبر "مصعد" كهربائي من الأعلى حتى مصب الشلالات، ثم ينطلق ليلامس رذاذ الشلالات كما لو كان تحته! وهي متعة رائعة لا يمكن وصفها إلا لمن جرب تلك المغامرة بنفسه، إذ إنك ومن قوة الماء وانتشاره بحاجة إلى ارتداء معطف وحذاء من اللدائن لتتقي شر البلل وشدة الرياح، أما أقدم الخدمات السياحية أسفل الشلالات فهو قارب "الضباب" الذي يأخذك في جولة لا تنسى بالقرب من منحدر الشلالات في جوٍّ أسطوري من تاريخ الهنود الحمر، وهي فرصة رائعة لالتقاط الصور من أقرب نقطة تحت الشلالات، كما يوجد متحف متوسط الحجم للأحياء المائية، بالإضافة إلى مطل "أسمنتي" ضخم لالتقاط الصور بشكل بانورامي، بالإضافة إلى مجمع مطاعم وخدمات متكاملة، إلى درجة توفير قطار خفيف لنقل السياح بين تلكم المنشآت المتعددة! ليس هذا وحسب؛ بل أضحى عرض الأنوار الليلية طقسا شبه يومي يجعله ركنا أساسيا لأي زيارة للشلالات، فبدونه لا تكتمل ذكريات الرحلة، وبدونه لا يصل الإبهار إلى الحد الأقصى! دون إغفال عروض الألعاب النارية في المناسبات والعطل الوطنية. كل هذا لم يكن كافيا لتسويق الشلالات بل كانت عنوانا لأشهر أفلام نجمة السينما الأميركية "مارلين مونرو" في فيلمها "نياجرا" عام 1953، كما ظهرت الشلالات في سلسلة الرسوم المتحركة: "نقار الخشب"، والجزء الثاني من سلسلة أفلام "سوبرمان"، وكانت موضوعا رئيسيا لعدد من اللوحات التشكيلية لأشهر الرسامين الأميركيين وغيرهم، بالإضافة إلى ظهورها بشكل عابر في عدد من الروايات والأفلام السينمائية المختلفة، كان آخرها قبل سنوات في فيلم "قراصنة الكاريبي.. نهاية العالم" ناهياك عن شهرة جودة المواقع السياحية الأميركية بشكل عام لدى جمهور السياح، مما جعلها تتحول مع مرور الزمن إلى وجهة سياحية للكثيرين، ولتصبح مصدر الرزق الأول لغرب ولاية "نيويورك"، بعد أن كانت المصدر الثاني بعد الصناعات التي كانت تعتمد في تشغيلها على الطاقة الكهربائية الناتجة عن طاقة مياه الشلالات! هذا النجاح المتتالي جعل تعداد زوار الجانب الأميركي من الشلالات يتفوق بمراحل على زوار الجانب الكندي، على الرغم من أن زيارة الشلالات من الجانب الكندي هي الأفضل والأجمل كما يؤكد الزوار والخبراء! ولكنه "التسويق" يا سادة من جعل اسم شلالات "نياجرا" يترافق مع اسم الولايات المتحدة الأميركية فقط، وليس أميركا وكندا كما يفترض! والحقيقة أنني سبق وزرت الشلالات من الجانب الأميركي مرتين خلال السنوات العشر الماضية، لكنني لا أزال أطمع في زيارة أخرى ثالثة ومن الجانب الأميركي - أيضا - رغم علمي الأكيد أنها ليست الأكبر وليست الأجمل!