أرجأ رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري يوم أمس الأربعاء الجلسة الـ17 لانتخاب رئيس جديد للجمهورية حتى نهاية الشهر الحالي، بعد تكرار سيناريو تعطيل قوى «8 آذار» النصاب القانوني لعقد الجلسة، مما يؤكد أن مناخ الحوار الذي يسيطر على البلد لم يشمل بعد الأزمة الرئاسية المستمرة منذ مايو (أيار) الماضي. ورجحت مصادر مطلعة ومعنية باللقاء المرتقب بين الزعيمين المسيحيين، رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع، أن ينعقد أول لقاء بينهما في أبعد تقدير منتصف الأسبوع المقبل، لافتة إلى أن مصير الجلسة الـ18 لانتخاب رئيس والتي حددها بري في 28 من الشهر الحالي سيكون مماثلا لسابقاتها باعتبار أن أي نتائج للقاء عون – بري لن تتبلور قبل شهر فبراير (شباط) المقبل. وأضافت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «نتوقع خروقات بالأزمة الرئاسية الشهر المقبل». وأوضحت المصادر أن البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي قد اطلع على المشهد العام للحوار المرتقب، لكنه لم يخض في التفاصيل، لافتة إلى أن رئيس المجلس العام الماروني وديع الخازن نقل عنه تشجيعه ومباركته للقاء الزعيمين المسيحيين. ورجحت المصادر أن ينقل أحدهما أو الاثنين معا أجواء أول لقاء يعقد بينهما مباشرة للراعي بعد اتمامه. واعتبر جعجع خلال مؤتمر صحافي عقده يوم أمس أن مقاطعة جلسات الانتخاب «أمر غير مقبول»، محملا الكتل السياسية المقاطعة مسؤولية «الشلل» في البلد. وأعرب عن أسفه لكون جلسات انتخاب الرئيس تحولت إلى نوع من المزاح، وهذا دليل على أن هذه العملية انتقلت من أسمى عمل سياسي يمكن أن يقوم به النواب، إلى هذا المستوى المتدني، فـ7 أشهر ونصف شهر من الفراغ في قصر بعبدا ليست بقليلة. صحيح أن لبنان مر دوما بأزمات، ولكن الآن أضيف إليها تعقيد على تعقيد، مما أدى إلى شبه شلل سياسي في البلد، وتساءل: «فهل هذا الأمر يجوز في بلد مثل لبنان، وبالأخص في خضم الأزمة التي تعيشها المنطقة؟». ووصف جعجع الحوار مع التيار الوطني الحر، بـ«الجدي»، كاشفا أن الطرفين تبادلا أخيرا أول ورقتي عمل، وأضاف: «لكن المسألة ليست سهلة فـ30 عاما من الخصام السياسي لم تكن من أجل شيء سخيف أو بسيط، بل بسبب أمور جوهرية تتعلق بكل لبنان كوطن والأولويات.. وهناك فروقات كبيرة جدا كانت تضعنا في مكان وهم في مكان»، لافتا إلى أن «لا عداوة شخصية بين حزبين بحجم القوات والتيار». وأكد أمين سر تكتل التغيير والإصلاح النائب إبراهيم كنعان الذي يشارك في المباحثات الثلاثية المستمرة في مقر إقامة عون في منطقة الرابية، شرق بيروت، والتي تضم إليه عون وموفد «القوات» رئيس جهاز الإعلام والتواصل ملحم رياشي، أن «مسار المحادثات مع القوات يتسم بالسرية»، لافتا إلى أن «الطرفين يأتيان من بعيد نتيجة تراكم الأحداث والاختلافات، لكن مسار التواصل بينهما إيجابي وجدي وصريح»، وقال: «نريد المحافظة على السرية، وهناك الكثير من النقاط المشتركة لجهة القراءة والخلاصات، ونحن في طور استكمال البحث في النقاط الأخرى». وأشار كنعان في حديث إذاعي إلى أن «هناك إصرارا لدى الطرفين على الوصول إلى قراءة وطنية تضع الحقوق الدستورية، ولا سيما حقوق المسيحيين، فوق أي خلاف سياسي»، لافتا إلى أن «الأيام المقبلة ستشهد ترجمة عملية لهذا التوجه». وجدد مجلس المطارنة الموارنة في اجتماعه الشهري في مقر البطريركية المارونية في بكركي، دعوته للمجلس النيابي لـ«القيام بواجبه الدستوري بانتخاب رئيس للخروج من النفق المظلم الذي أدخل فيه نتيجة الفراغ في سدة الرئاسة»، ولقيام وانتظام عمل المؤسسات. واعتبر المجلس في بيان أنه كلما طال الفراغ في سدة الرئاسة الأولى تعرض لبنان للانكشاف أكثر داخليا وخارجيا، وزادت التعقيدات في الملفات الوطنية، وحث المسؤولين على التطلع إلى المصلحة الوطنية العليا، وتحمل المسؤولية التي تمليها عليهم الخصوصية اللبنانية والواجب الدستوري. وإذ أشاد المطارنة بجو الحوار الناشئ بين أفرقاء الداخل اللبناني، لأن التواصل والتفاهم هما في أصل النظام التعددي في لبنان، أعربوا عن «خشيتهم من أن يبقى هذا الحوار على مستوى إدارة الخلافات الثنائية، فيما نحن أحوج ما نكون إلى حوار شامل يستلهم الثوابت اللبنانية، المتضمنة في الميثاق الوطني وفي الدستور، حتى تصب هذه الحوارات في صالح لبنان ومنعته ورقيه، وصالح اللبنانيين جميعا». وأضافوا: «لا مستقبل واعدا للبنان، إذا استمر أسير المحاور الإقليمية وتلك الداخلية الناشئة عنها، ورهين المصالح الفئوية المذهبية والحسابات الخارجية، من هنا وينبغي إيجاد الآليات للحؤول دون تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية في كل استحقاق، وتعطيل المؤسسات الدستورية الأخرى». وعبر رئيس مجلس النواب نبيه بري لزواره يوم أمس عن ارتياحه لمسار الحوار بين تيار المستقبل و«حزب الله»، معتبرا أن ما تحقق في الجلسة الثانية من الحوار «أكثر من إيجابي، باعتباره أمن الغطاء للأمن الوطني والاستقرار العام». وتحدث نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، في كلمة له أمام مؤتمر «الوحدة الإسلامية الثامن والعشرين» المنعقد في طهران، عن توصل اللبنانيين إلى «درجة من التماسك الداخلي بعدما أدرك الجميع ضرورة الحوار الداخلي ورفع العنوان المذهبي، من هنا أتت لقاءات «حزب الله» و«المستقبل» لتنفيس الاحتقان المذهبي ومواجهة الإرهاب. وشدد قاسم على «أن الترويج إلى الخلفية المذهبية عند كل خلاف سياسي هو إحدى التحديات أمام الوحدة الإسلامية».