×
محافظة المنطقة الشرقية

مُعلم يتعرض للطعن على يد ولي أمر طالب بمدرسة بالأحساء

صورة الخبر

هيفاء صفوق الإنسان يقوم بالعديد من الأعمال الرئيسة والمهام الأساسية في الحياة، وهذا واجب وليس مطلباً بأن يعمل لعمارة الأرض؛ كي يستطيع أن يعيش حياة كريمة. هناك أدوار رئيسة وأخرى ثانوية، يحقق من خلالها التوازن النفسي والمعنوي والاجتماعي والاقتصادي. كل ما يقوم به الإنسان من أجل تحقيق هويته الذاتية والإنسانية، وإثبات وجوده وقيمته في الحياة، وألا يكون نكرة وعالةً عليها. ما يقلق الفرد هو الدخول في حال التماهي اللاواعي مع الرغبات والحاجات التي لا تنتهي؛ فيصبح مقيداً بها من دون إدراك أو وعي. والرغبات والحاجات تأخذان صوراً عدة؛ هناك حاجات أساسية للأكل والشرب والغذاء، ومادية للعيش بصورة طبيعية وكريمة، وجسدية يتطلبها الجسم غريزياً، واجتماعية تتحقق من خلال العلاقات الاجتماعية، وغيرها من الحاجات الأساسية. المشكلة عندما تتحول هذه الحاجات إلى رغبات ملحّة بصورة مبالَغ فيها، من دون إدراك ولا وعي، فلا تشبع ولا تنتهي ولا تتوقف، بل يكون الإنسان هنا متماهياً تماماً مع هذه الرغبات بصورة لا شعورية، أي يتطابق مع هذه الرغبات بصورة مبالغ فيها ومستنزفة يغيب فيها العقل، ويخوض في تلك الرغبات اللامتناهية من دون تفكير أو وعي. هناك من يتماهى في حب المِلْكية بصورة مفرطة، وبلا توقف كامتلاك السيارات أو العقارات، حتى وإن وصلت ثروته إلى عنان السماء، تجده ما يزال يطلب مزيداً منها، وإن سألته ألم تكتفِ؟ قال: هل من مزيد؛ فيذهب العمر سدى وهو خالٍ من المعنى لوجوده الإنساني، على رغم ذلك كله لا يشعر بسعادة ولا براحة بال. هناك من يتماهى مع الجسد ويفرط بتناول الأكل، حتى يصاب بشراهة وبلاهة ونهم وسعار؛ فيتبلد الحس والشعور، من دون توقف الشهوة واتباع المغريات من دون حدود فيصبح أسيراً لها، ويطلب المزيد دون إدراك. غالباً هؤلاء يبحثون عن ذواتهم الضائعة؛ لكن بطريقة خاطئة. وهناك من يتماهى في العمل الذي قد يستغرق ساعات طويلة، حتى إنه ينسى أن لديه عائلة وبيتاً. وهذا ما نشاهده في شخصيات أعطت العمل الشيء الكثير، لكن على حساب صحتها ونفسيتها ومن حولها، وللأسف من الداخل تشعر بارتباك شديد؛ لأنها غير سعيدة، اتخذت العمل وسيلة؛ لتغطية عيب أو نقصٍ ما، وهي أحد الحيل الدفاعية التي يقع فيها بعض الأفراد، لكنه بعد فترة من الزمن سيشعر كم هو فارغ من كل شيء، لا روح ولا سعادة ولا راحة، بل خسر أعز الناس لديه. سنجد خلف هذا التماهي وجود «الأنا» المتطلبة، التي تطلب دائماً من دون حساب، فهي غير مدركة ولا واعية، تظهر بصور وأشكال عدة، تتغذى على الضعف وصراع الإنسان. هذا يجعلنا نطرح سؤالاً: لماذا تظهر هذه الأنا المتطلبة؟ يحاول الإنسان هنا التعرف أو الحصول على إثبات هويته، هناك من يحاول إثباتها عن طريق العمل، أو المال والسلطة، أو كثرة العلاقات الاجتماعية بصورة مبالَغ فيها يتجاوز المعقول، يحاول أن يتعرف على هويته بصور وهمية لا تمثل ذاته الحقيقية؛ لأنها أصبحت مليئة بشوائب متطلبة ومزيفة، وهو ما يجعله يدخل في حلقة الاستنزاف؛ لأن «الأنا» المتطِلبة تحثه على التماهي والتغلغل والتطابق والتماثل مع كل النماذج التي ذكرتها بصورة لا شعورية ولا واعية، وهذا ما يجعلها متطلبة لا تشبع مهما بلغ الإنسان من تقدم في المكانة أو المادة أو العلاقة، وهذا استنزاف روحي ونفسي وجسدي، وهنا لن يعرف هويته الحقيقة؛ لأنها أصبحت تابعة لـ«الأنا» المتطلِبة، وهذا ما يجعله يشعر بالفراغ النفسي والمعنوي والروحي، مهما حاول الحصول على شيء فهو لن يجد الراحة أو السعادة الحقيقية، بعضنا يدرك -ولكن بعد فترة من الزمن- أنه لم يعش السعادة الحقيقية، والأخطر أنه يسأل في لحظة ضعف: مَنْ أنا؟ وهذا السؤال في حد ذاته يجعل الإنسان تائهاً. التماهي عرفة علماء النفس بأنه: سيرورة سيكولوجية في بناء الشخصية، تبدأ من المحاكاة اللاشعورية وتتلاحق بالتمثيل ثم الاجتياف (الاستدخال أو التقمص) للنموذج. خطورة التماهي أنه يلغي حقيقة الإنسان، فهناك فرق بين المحاكاة الشعورية الواعية، وبين التماهي اللاشعوري وغير الواعي الخاضع للأنا المتطلبة. التماهي ليست حالاً فردية فقط، بل تشمل حالاً جمعية يقع فيها أفراد عدة، كأن توجد سلطة قمعية تغيِّب قدرة الإنسان على التفكير والتأمل والبحث والتقصي؛ بفرض قوانينها القمعية بصورة جبرية، وهو ما يجعل جميع الأفراد خاضعين لها، ويصبح المجتمع يتماهى مع هذه القوانين، وتصبح من المسلَّمات الخاصة بها، من دون وعي ولا إدراك، وهذا، للأسف، ما يجعل بعض المجتمعات مغيبة فكرياً وإنسانياً، عطلت قدرة الفرد على التطور والابتكار، وجعلت منه نُسخة متكررة متشابهة في التماهي الذي يسلبها إرادتها غيابياً، فتصبح عقلاً جمعياً واحداً جامداً متبلداً، وهذا حتماً يؤدي إلى نهايتها. الوعي هو نقطة الانطلاق في كل شيء، أن تعمل وتنجز وأن تكون لك مكانة مرموقة، وأصدقاء، وحياة اجتماعية جميلة ودور بارز، لكن بوعي ونضج. تعرف ماذا تريد ولماذا تريد وما هو هدفك فيما تريد، هذه الأسئلة تجعل الفرد واعياً إلى أين يذهب؟ وماذا يعمل؟ وإن أخطاء ليست مشكلة كبيرة أنه أخطأ؛ لأنه سيكون واعياً بهذه الأخطاء، وسيتصرف بتلقائية؛ لأنه في نقطة الوعي الحاضرة والمدركة والمراقبة. المقلق من لا يدرك ذلك كله، ولا يعرف أدواره الحقيقية، فيصبح أسير تلك الصور المتعددة المتطلِبة العاجزة، وإن توهمت أنها تصنع كل شيء تضل أسيرة، والحقيقة أنها لا تصنع شيئاً، فقط مزيداً من التوهان، ظاهرها جيد وباطنها فارغ، ينطبق كل ما ذكرت على عبارة قد سمعتها (الحياة مليئة بلا شيء).