منذ بداية العام الجديد والأنباء السيئة تلاحق منطقة اليورو، فالعملة الأوروبية الموحدة تشهد تراجعا ملحوظا بعد أن هبط اليورو إلى أدنى مستوياته في مواجهة الدولار منذ تسع سنوات تقريبا خاسرا نحو 1.2 في المائة من قيمته. نزل اليورو عن مستوى 1.20 دولار أمس ليصل إلى أدنى مستوياته منذ أوائل عام 2006 لتستهل العملة الأمريكية عام 2015 باتجاه يتوقعه كثير من المصارف وهو ارتفاعها على نطاق واسع. ومن المنتظر صدور بيانات التضخم في منطقة اليورو هذا الأسبوع ومن المتوقع أن تبرز التباين بين أداء الولايات المتحدة ومعظم بقية الدول المتقدمة الذي أدى إلى ارتفاع الدولار منذ منتصف 2014. ونزلت العملة الأوروبية الموحدة إلى 1.18605 دولار في التعاملات الآسيوية. وتعافى اليورو إلى 1.1945 دولار في بداية التعاملات الأوروبية منخفضا 0.5 في المائة عن اليوم السابق. وتراجع الجنيه الإسترليني أيضا 0.2 في المائة إلى 1.5296 دولار بعد نزوله إلى أدنى مستوياته في 17 شهرا 1.5185 دولار في التعاملات الآسيوية. وجاء أداء الين أفضل قليلا إذ انخفض 0.1 في المائة فقط أمام العملة الأمريكية مسجلا 120.38 ين للدولار. وخسر اليورو نحو 12 في المائة من قيمته أمام الدولار في 2014. وفي أواخر الأسبوع الماضي سلط رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي الضوء على احتمال لجوء البنك إلى طباعة النقود قريبا. وإذ يرجع المختصون انخفاض اليورو إلى إدراك المستثمرين والمضاربين حول العالم أن البنك المركزي الأوروبي، في طريقه إلى تطبيق سياسة التيسير الكمي لمحاولة إخراج المنطقة من أزمتها الاقتصادية الحالية، إلا أن هذا في وجهة نظر البعض العامل الأساسي لكنه ليس الوحيد. وتقول لـ "الاقتصادية" سيدني باري المختصة في أسعار صرف العملات في مجموعة نيت ويست المصرفية إن العامل الاقتصادي يبرز في تلميحات ماريو دراجي رئيس البنك المركزي الأوروبي باللجوء إلى سياسة التيسير الكمي عامل أساسي. وذكرت أيضا عاملا آخر هو احتمال خروج اليونان من منطقة اليورو إذا وصل حزب سيريزا اليوناني اليساري إلى السلطة في انتخابات أواخر الشهر الجاري. ويرفض الحزب اليوناني اليساري سياسات التقشف التي أجبرت ألمانيا اليونان على تبنيها كشرط أساسي للحصول على معونات مالية من الاتحاد الأوروبي. وقال باري "أعتقد أن اليورو سيشهد أوقاتا عصيبة في مواجهة الدولار خلال الفترة المقبلة، وهذا يعني أن أوروبا ستواصل أزمتها الاقتصادية خلال عام 2015". والأوقات العسيرة التي ستواجه اليورو تثير جدلا بين الاقتصاديين بشأن هل يمكن أن يسفر تراجع قيمة العملة الأوروبية الموحدة، عن تحقيق منفعة اقتصادية لبلدان المنطقة. المتفائلون، ومن بينهم الدكتور والتر فليب أستاذ الاقتصاد الكلي في جامعة لندن، يعتبر الانخفاض يمكن أن يمثل فرصة جيدة لدعم الصادرات، وإنعاش الاقتصاد الكلي لبلدان المنطقة. وقال لـ "الاقتصادية" إن المشكلة الرئيسية لمنطقة اليورو عدم قدرتها على التصدير بمعدلات مرتفعة، على الرغم من أن جزءا من هذه المشكلة خارج عن سيطرتها، إذ يعود بالأساس إلى أن الأسواق التقليدية لصادراتها وهي الصين وروسيا، تعاني تراجعا في معدلات النمو الاقتصادي ومن ثم انخفاضا في الطلب. وأضاف "علينا أن نقر بأن ارتفاع تكلفة الإنتاج في بلدان اليورو، يجعلها غير جاذبة للمستوردين، وانخفاض قيمة اليورو في مواجهة الدولار ربما يغير هذه المعادلة الآن، ويدفع عديدا من المستوردين إلى توجيه أنظارهم مجددا إلى المنطقة اليورو". وتصطدم هذه الرؤية المتفائلة باعتراض من استشاريين في مؤسسات اقتصادية دولية كبرى. إذ يرجح الدكتور جيمس اسبلند الاستشاري في البنك الدولي بأنه لا يؤدي انخفاض اليورو إلى إحداث تحول جذري في قيمة صادرات بلدان العملة الأوروبية الموحدة. ويحذر اسبلند من أن مواصلة انخفاض قيمة اليورو قد يدفع بالمستثمرين الدوليين إلى مغادرة المنطقة. ويقول لـ "الاقتصادية" إن انخفاض قيمة أي عملة خاصة في حالة اليورو دليل على أن الأزمة الاقتصادية مستفحلة في بلدان العملة الموحدة. وأضاف "على الرغم من تشككي من إمكانية انسحاب اليونان من منطقة اليورو لأن ذلك سيمثل كارثة بالنسبة لها قبل أن يمثل مشكلة لليورو، فإنها لو انسحبت فستدخل المنطقة في أزمة حقيقية، وسنشاهد تراجعا حادا للاستثمارات الدولية". أما الصادرات فاعتبر الاستشاري في البنك الدولي أنه كان ممكنا أن تتحسن إذا لم يكن لهم منافس في الأسواق، وقال "لكن ماذا عن بريطانيا، فالإسترليني أيضا في تراجع في مواجهة الدولار، لربما ليس بالحدة ذاتها التي يشهدها اليورو". وأكد اســـــــبلند أن "الســـــــــلع البريطانية يمكن أن تصبح منافسا شرسا لصادرات بلدان اليورو إذا واصل الإسترليني انخفاضه أيضا". وسط هذه التكهنات المتضاربة بشأن تأثير انخفاض قيمة اليورو في صادرات بلدان العملة الأوروبية الموحدة، لا يزال المختصون يؤكدون أنه بمجرد تطبيق سياسة التيسير الكمي ستشهد قيمة اليورو مزيدا من الانخفاض. وسيقوم البنك المركزي الأوروبي بشراء كميات ضخمة من سندات الخزانة لبلدان المنطقة، وهو ما يعني ضخ كميات كبيرة من اليورو في الأسواق، وزيادة المعروض منها. هنا يصبح التساؤل كيف سينعكس هــــــــــذا على السياسات الاقتصادية المتبعة داخل المنطقة؟ وحث الانخفاض الراهن للعملة الرئيس الفرنسي إلى إطلاق تصريحات انتقادية واضحة للسياسات التقشفية التي تتبعها أوروبا حاليا، ما يعكس وجود خلاف في الرؤية الاقتصادية يوشك على الانفجار بين باريس وبرلين. وربما يساعد الانخفاض المتواصل لليورو في تسريع الانفجار خلال الأشهر المقبلة. فقد صرح هولاند أخيرا أن أوروبا "لا يمكن أن تواصل تعريف نفسها من خلال سياسة التقشف، ومنطقة اليورو في حاجة إلى التركيز أكثر على النمو أكثر من خفض العجز في ميزانيتها العامة". ولا شك أن هذه التصريحات تمثل انتقادا صريحا للرؤية الألمانية التي تحملها فرنسا مسؤولية انخفاض معدلات النمو وتراجع قيمة اليورو، لاهتمامها بإحداث توازن بين النفقات والإيرادات أكثر من اهتمامها بزيادة النمو.