الفعاليات الرياضية على اختلافها تعد أنشطة حضارية ترفيهية إيجابية، وتعد فرصة للتنفيس عن النفس وصقل المشاعر من التراكمات التي يخلفها العناء والمشقة التي تصاحب أعمالنا اليومية في سبيل كسب العيش الكريم. غير أن المتأمل للحيز الذي شغلته الرياضة في اهتماماتنا اليومية سيكتشف بأنها طغت على أولويات أخرى كان يجب أن تحتل صدارة تفكيرنا، فبدلا من أن تشغل حيزا ثانويا في سلم اهتماماتنا، نجدها تحتل الصدارة، وبقية الجوانب الثقافية والاقتصادية والاجتماعية الحيوية والمصيرية في الهامش، وهذه المعادلة تضعنا أمام خلل فادح من شأنه إعاقة عجلة التنمية والتأثير سلبا على مستوى الإنتاج، فضلا عن تأثيره على أواصر التماسك والترابط الاجتماعي الذي حل محله الترابط الرياضي والتعصبات الكروية الضيقة، التي أفلحت في سحب البساط إليها بقوة غير آبهة بالأثار السيئة التي خلفتها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا... الخ. حين ننتقد الفعاليات الرياضية لا ننتقدها لذاتها بل ننتقد المبالغة والتعصب في التعاطي معها الذي قد ينحرف بأخلاقيات المتعصبين لها ويغذي تفشي الشعور بالكراهية للغير على أسس تعصبية كروية رياضية ينعكس أثرها واضحا جليا في كثير من الأحيان أثناء الاحتفاء بالفعاليات واللقاءات الرياضية وما يترتب على ذلك من إقلاق السكينة العامة للناس في مساكنهم وأنشطتهم، فمجرد التعبير عن انتصارات رياضية يعني إحداث فوضى يسببها الشباب المفرطون في تعصباتهم في شوارعهم وأحيائهم على وقع هتافاتهم وزمامير سياراتهم المزعجة، علاوة على سلوكيات التفحيط التي يمارسونها تعبيرا عن احتفائهم بفوز الأندية والفرق الرياضية التي يشجعونها دون مراعاة منهم بأن ليس كل الناس تهتم بالرياضة بقدر اهتمامهم بحياتهم المعيشية التي يجب أن يمارسوها بشكل اعتيادي بعيدا عن فوضى وتعصبات المتطفلين الرياضيين، ودون مراعاة أيضا لما يتسببوا به من إرباك للحركة المرورية وإعاقة وصول سيارات الإسعاف والإطفاء وغيرها إلى مهامها بالسرعة المطلوبة، وتعطيل مصالح عامة الناس وإقلاق المرضى منهم. يجب أن نكون متوازنين وحضاريين في التعاطي مع الأحداث الرياضية بالشكل الذي يتيح لنا الاستفادة من جوانبها الإيجابية وتجنب آثارها السلبية. ومما تجدر الإشارة إليه أن هذه الظاهرة أدت إلى عزوف الشباب عن معظم الأنشطة والفعاليات الثقافية والاجتماعية، وأثرت على مستويات تحصيلهم المعرفي لصالح الثقافة الرياضية والكروية، وهنا يكمن الخلل الذي أردت الإشارة إليه، كذلك فإن ثمة بعض السلوكيات التي تتنافى وتتصادم مع القيم والأخلاقيات الدينية والحضارية لسنا في صدد التفصيل عنها، غير أن سنتطرق على سبيل المثال لبعضها، ومنها عادات الرهانات التي تفشت بين المتعصبين للفرق والأندية الرياضية التي يصل الأمر فيها إلى التبطر على أنعم الله علينا بتمزيق النقود تأثرا وانفعالا بتلك الرهانات.. بل يصل الأمر إلى أبعد من ذلك بكثير، إذ يوصلون تعصباتهم الرياضية إلى بيوتهم ليهدموها على رؤوسهم ورؤوس من يعولون برهانات ويمين الطلاق التي يعلقون بها مصائرهم ومصائر أهلهم وأبنائهم على مجرد حدث أو فعالية أو مباراة رياضية، فضلا عن الأثر السلوكي الذي يغرسون إثارة النفسية في نفوس أبنائهم وأهلهم والناتج عن عصبيتهم وانفعالاتهم تأثرا بذلك، وهو الأمر الذي قد يترك صبغته على جيل بأسره تطغى عليه الرواسب التي خلفتها البيئة التربوية السيئة المتأثرة بمثل هذه التعصبات العمياء. كذلك فإن من السلوكيات السلبية للتعاطي السلبي مع الرياضة هو ما يعكس أثره على مستوى أدائنا وكفاءاتنا الإنتاجية من خلال طغيان الأحداث والجدل والنقاشات والخصومات الرياضية على مستوى أدائنا في أعمالنا لدرجة أن يتغيب بعض الموظفين عن المهام التي انيطت بهم وتحملوا أمانة ومسؤولية القيام بها دون عذر مقنع سوى تأثرهم بهزيمة رياضية سببت لهم الحرج في مواجهة خصومهم المشجعين للفرق المنتصرة، وإن حضروا سرعان ما يخرجون وفي فترة بقائهم يملؤون أوقاتهم بالنقاشات والرهانات والمهاترات والخصومات بأثر رياضي كروي محض منصرفين عن طبيعة مهامهم ومعطلين مصالح الناس الذين ينتظرونهم في طوابير طويلة لعل نقاشاتهم تنتهي ويفرغون لهم. وفي النهاية، حري بنا أن ندرك بأن الأوطان تبنى بالعلم والعمل وأن المجتمعات تقوم على التكاتف والتماسك بين كافة أفرادها على أسس قيمية أخلاقية ثقافية، كما يجب أن نستوعب بأن الفعاليات الرياضية مجرد أنشطة ترفيهية ثانوية لا تبنى بها الأوطان ولا تعد مرتكزات أساسية لنهوض المجتمعات والدول، وكذلك ليست وسائل وأدوات فعالة تنهض بعجلة التنمية وتقدم المستويات الإنتاجية وفق المتغيرات الحضارية.