×
محافظة الحدود الشمالية

تسمية 3 شوارع رئيسية في عرعر بأسماء شهداء الواجب

صورة الخبر

بات الكل يعلن نفسه مؤهلاً للتوجيه والإفتاء في ظل التغيرات المتلاحقة التي يعيشها العالم، وثورة المعلومات والاتصالات الهائلة التي دخلت كل بيت، وتعدد القنوات الفضائية وتوجهاتها، وكسر الحدود الجغرافية والحواجز الزمنية والمكانية، وعدم وجود مرجعية ضابطة تحدد المؤهل من غير المؤهل، وتضع شروطها الحاكمة على المشهد للخطاب الديني والفتيا، حيث إنّ الأنظمة والتشريعات التي تحصر الفتيا على جهات معينة لم تستطع إلى الآن الحد من ظاهرة الفتيا غير المنضبطة، وكسر قيمة المرجعية الرسمية في هذا الباب؛ مما أدى إلى نزاع وخلاف بين المتلقين، يصل أحياناً لرفض المدرسة الفقهية الحالية، وربما يتجاوزه إلى رفض الخطاب الديني كله!، وكل ذلك يجعلنا بحاجة إلى قراءة «مرجعية الخطاب الديني» في ظل التعددية الهائلة لوسائل الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي. أفكار ومواقف وذكر "أ.د.عبدالرحمن الزنيدي" – أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الإمام- أنّ الخطاب الديني هو عبارة عن الأفكار، والفتاوى، والمواقف التي تصدر من قبل المنتسبين علمياً للدين -علماء شرعيين، ودعاة، ومفكرين إسلاميين-، استنادا إلى مرجعية الدين، سواء في نصوصه الأصلية: القرآن، والسنة، أو نصوص علمائه السابقين، مبيّناً أنّه ليس كل خطاب يعالج قضايا دينية يعدّ خطاباً دينياً، ولا ينسب للدين وإنما ينسب إلى مرجعيتها التي ينطلق منها، ويقوِّم قضايا الدين على أساسها: استشراقياً، أو ليبرالياً، أو يسارياً.. إلخ، مؤكّداً أنّ الخطاب الديني الإسلامي يشتمل على ثوابت، ومتغيرات، حيث إنّ هناك ثوابت مطلقة لا يغيرها الزمان، ولا المكان، وتتمثل في مقررات القرآن، والسنة الثابتة، في المبادئ العقدية والقيم الخلقية، والأحكام الشرعية، كحل البيع، وحرمة الربا، ووجوب بر الوالدين، وحرمة الزنا، والخمر؛ فهي أبدية لا يتجاوزها الزمن. وقال إنّه قد يضغط وضع حضاري، أو اجتماعي على عالم، أو مفكر فيحل محرماً، أو يحرم حلالاً، لكن الزمن يتجاوز هذا التحليل والتحريم الشاذ، ويبقى الحكم الأصل منتصباً، مستشهداً بفتاوى الربا التي بدأت منذ أكثر من قرن، معتبراً أنّ المتغيرات أحكام اجتهادية لآحاد العلماء التي هي تطبيق للحكم الشرعي المطلق الذي لا يتغير على الواقع البشري، وبما إنّ هذا الواقع البشري متغير من جهة، وبما أن عقل المجتهد نسبي من جهة ثانية، كان تغير الأحكام الاجتهادية، والفتاوى، والأقضية شيئاً طبيعياً. وأضاف أنّ الخطاب الديني وإن كان في الإسلام يمتاز عن الخطابات الأخرى بمرجعيته التي تمثل وحياً إلهياً خالصاً، إلاّ أنّه من حيث كونه جهوداً بشرية يعاني ما تعانيه الخطابات الأخرى، خاصة استيعابه للتغيرات المتسارعة، وموازنته بين معطيات العصر والمرجعية الإسلامية، مؤكّداً أنّ هذا الخطاب ينضج شيئاً فشيئاً، وإن كان كما يرى المستعجلون بحركة بطيئة؛ لكن بناء المجتمعات، وإقامة النهضات تحتاج زمناً، وتحولات، وتجارب ممتدة. وأشار إلى أنّ الأحوال تغيرت كثيراً عما كانت، وسعى الناس لمواكبة هذه التطورات ليكونوا على مستوى الاستجابة الإيجابية لمتطلبات عصرهم، فكثرت الدورات التدريبية والمتابعات الإعلامية، وهذا لا ريب جانب إيجابي، والمشكلة أنّهم في الجانب الديني متخلفون في هذا الشأن؛ مما جعلهم يقعون في هذا الاضطراب، فلا هم عوام تماماً يتبعون فقيههم دون تساؤل، ولا هم علماء شرعيون يستنبطون الأحكام لأنفسهم، وإنما هم مثقفون بنسب متفاوتة، زادهم الشرعي قليل، حيث يتابعون قضية شرعية تثار، فإذا رأوا تفاوت الفتاوى فيها وقعوا في حيرة وارتباك، لافتاً إلى أنّ التقصير هنا مشترك بين الناس من جهة، والمؤسسات الدينية من جهة أخرى. وسائل التواصل نحتاج إلى مرجعية تحول دون تصدر «المتعالمين» لمسائل تؤثر في مسار الحياة الاجتماعية ولفت "أ.د.حمد العمار" -الأستاذ في المعهد العالي للدعوة والاحتساب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- إلى أنّ واقع الخطاب الديني المعاصر يحتاج إلى إعادة نظر؛ بسبب تصدر عدد من المتعالمين على كبريات المسائل التي تؤثر على مسار الحياة الاجتماعية في المجتمع، ووقوعهم في أخطاء علمية وعملية، وإيجادهم لتبريرات خاطئة جانب الصواب لدوافع ربما كان بعضها لضعف علمي أو لشهوة أو لغيرها من الأغراض، إلى جانب ابتعاد كثير من العلماء المختصين عن إيضاح حكم الله في كثير من المسائل التي ربما وقع فيها كلام أو إشكال، وبدأت الأقلام والحوارات تأخذ مسارات متعددة، وبدأ كل واحد من كل مشرب يفصل ثوبه على طريقته، وإذا استمرت الحال هذه الطريقة فإن ثمة شرا ربما يحل بالجانب التطبيقي العملي في محيط المجتمع. وأضاف أنّ أبرز التغيرات التي حدثت مؤخراً للخطاب الديني تمثلت في تصدر الجهال للفتوى، وانتشار الفتاوى المضللة، وهذا ما لا تحمد عقباه، ويجرّ على المجتمع الويلات الكثيرة، مبيّناً أنّ الواجب السيطرة على الموقف، وأداء العلماء المستنيرين وجهات الفتوى المتخصصة واجبهم على الوجه الأكمل؛ تحقيقاً للمسؤولية الوظيفية الملقاة عليهم، والأخذ على يد السفيه الذي يريد أن يحوّل المجتمع إلى غابة يسيطر فيها الانحراف على المنهج الصحيح المعتدل، مطالباً جهات الفتوى باستثمار وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الصواب والرد على الباطل. تجديد لا تبديل وبيّن "د.سامي بن عبدالعزيز الماجد" -عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام- أنّه بلا شك أنّ للخطاب الديني مرجعية إذا عري منها أصبح مضطرباً، متناقضاً، يسهل اختراقه، وتوظيفه، والتلاعب به، بل ويفقد ثقله العلمي، وأهميته، وقوته، والثقة به، ويتجرد خطابه عن الإقناع، موضحاً أنّ مرجعيته ليست أشخاصاً يُلزم الناس باجتهاداتهم وآرائهم الفقهية الاجتهادية، معتبراً أنّ جعل مرجعيته في أشخاص يُلزم غيرهم بآرائهم وتأويلهم للدين ليس إلاّ كهنوتية صريحة، حيث أنّه منذ فجر التأريخ الإسلامي والعلماء يجتهدون ويختلفون في غير محكمات الشريعة وقطعياتها وأصولها، ولا خطر في ذلك، مشدداً على أنّ مرجعية الخطاب الديني منهجية لا علاقة لها بالأشخاص، تنحصر في منهج الاستدلال عند أهل السنة والجماعة، الذي يعني كيفية الاستدلال للمسألة المنظورة، وطريقة استنباط الحكم الشرعي على القواعد والأصول الشرعية واللغوية، كما تعني أنّ مرجعية الاستدلال في أصول الأحكام ترجع إلى الكتاب والسنة والإجماع والقياس، ورد الناس إلى هذه المرجعية المنهجية يحقق وحدةً وهيبةً وانسجاماً بين المجتمع، وتناغماً في الخطاب الديني يرفعه لمقامه اللائق به.  وقال: "أتعجب من مثقفين ومطلعين يستغربون اختلاف المشايخ والدعاة المعاصرين ويتبعونه في مسائل فقهية اجتهادية، هل كانوا يجهلون اختلاف الفقهاء قديماً في مسائل اجتهادية لا يكاد يأتي عليها الحصر؟، بل كيف يصوِّرون للناس ذلك تضارباً في الأقوال، وهم ممن جرت عادته أن يحتج باختلاف العلماء قديماً لتسويغ خلاف جديد!"، موضحاً أنّه من طبيعة المسائل الفرعية الفقهية الاجتهادية -خاصة النوازل المستحدثة- أن تختلف فيها أقوال الفقهاء والعلماء؛ لأنّ الأدلة فيها لا تعدو أن تكون ظنية نسبية، لافتاً إلى أنّ المهم هنا أن يكون اختيار الرأي الفقهي عن منهجية علمية صحيحة متجردة من الهوى والتشهي في اختيار القول. وأضاف أنّ التجديد سنة مطلوب تحقيقها، وفي الحديث: "يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها أمر دينها"، والتجديد لا يعني قصوراً سابقاً في الخطاب، ولكنه تجديد يتطلبه اختلاف الزمان، كما أنّه ليس تجديداً يأتي على أصول الشريعة ومحكماتها وقطعياتها، فهذا تبديل لا تجديد، والتجديد في أسلوب الخطاب، لا في روحه ورسالته، مؤكّداً أنّ التوجس من إعادة النظر في أسلوب الخطاب الديني ولغته وطريقة تعاطيه مع المستجدات ليس بالذي يكفل له البقاء والحفظ والمقاومة، بل يسرِّع من جرأة الناس على تجاوزه بل وربما التهكم به، منوهاً بأنّ بعض الناس يقصد لمخالفة السائد حتى يقال: إنّه مستقل!، وليس هذا من الاستقلال المحمود في شيء، مشدداً على ضرورة ألا يتبنى أحد فكرةً ولا يتخذ موقفاً إلاّ عن قناعة محصّنة بالحجة والمنطق، سواءً أوافقَ الناس أم خالَفهم، بل لا يمكنه أن يتحرر من شخصية الإمّعة إلاّ بهذا. وأشار إلى أنّه إذا كانت المدارس الفقهية قد تعددت وتنوعت في عهد الصحابة والسلف، فإن محاولة أطر المجتمع على مدرسة فقهية واحدة يعدّ من الوصاية الممجوجة، ومن حق المجتمع أن يخلع عنه تلك الوصاية، معتبراً أنّ وسائل الإعلام -خاصة الصحافة- هي أكثر من يدعو إلى اعتماد المؤسسة الدينية الرسمية مرجعيةً دينية، بحيث لا تؤخذ الفتوى إلاّ منها، ثم هي للأسف أكثر ممن يهون من هيبة المؤسسة الدينية، وتتجاوزها في المسائل التي لا تعجبها فيها فتاوى المؤسسة، وذلك من نشرها وتأييدها لأقوال تخالف القول أو المذهب السائد في البلد، وإبرازها مَن ليس محسوباً من أهل العلم، كما لو كان إماماً من الأئمة، أو عالماً من العلماء؛ مما يشوش على العامة، ويشغل المجتمع بقضايا كان يمكن تطبيع الخلاف فيها دون هذه الطريقة المستفزة. موقف العامة وأوضح "بدر العامر " –الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية– أنّ أهمية المرجعية الدينية في المملكة من هويتها التي يشكل العامل الديني البعد الأساس في تكوينها، وسياقها التاريخي، وموقعها الجغرافي، واحتضانها للحرمين، وكونها بداية الرسالة وانطلاقها، وهذا يجعل المكون الديني أهم مكوناتها الوطنية، بالإضافة إلى طبيعة المجتمع المحافظ والمتدين والمتقارب في أنساقه الدينية -إلى حد كبير-، وهذا يجعل التأثير الديني سواءً شعورياً أو من حيث الخطاب الديني وحضوره عاملاً مهماً في توجيه العقلية الاجتماعية وتوجيهها سلباً أو إيجاباً بحسب طبيعة الخطاب. وقال إنّ موقف العامة من اختلاف العلماء ليس موقفاً جديداً أو عصرياً، بل هو حاضر على مدار التاريخ؛ لأنّ العامة في الغالب لا يدركون مسالك الاجتهاد وأسباب الاحتلافات الفقهية، ومناطات الأحكام، وأسباب اختلاف العلماء؛ لذا يقفون من اختلافهم موقف المضطرب الذي لا يدري أي الأقوال والفتاوى يأخذ، وهذا يحدث في الغالب ربكة في الأوساط الاجتماعية، ويحدث جدلاً واختلافاً بين الناس في مجالسهم ومنتدياتهم، مبيّناً أنّه لم يهمل العلماء هذه المسألة، فكتبوا في قضايا "الاختلاف والاجتهاد والموقف منها"، وكيف يتعامل غير العلماء مع هذه الاختلافات وبحثوها في باب "الاجتهاد والتقليد" في كتب الأصول وغيرها، وهذا أمر طبيعي من جهة ضرورة الاختلاف في الآراء وخاصة الخلافية والاجتهادية والنوازل العصرية. وأضاف إنّ الخطاب الديني عملية اجتهادية تختلف من شخص لآخر، ويرتبط بمدى قدرته المتعاطي معه على تصور مسائل الشريعة وفهمها، ومعرفة أسرارها، ومقاصدها، ويختلف الناس كذلك في أسلوب العرض للمفاهيم الدينية، وتقريبها، وتقديمها إلى المتلقي، ومن هذا الباب فهو يدخل ضمن إطار الجهد البشري القابل للإصابة، والخطأ، والتقويم، والتقييم، مبيّناً أنّ هناك عدة عوامل تسهم في انضباط الخطاب الديني وعدم دخوله في إشكاليات تأتي على خلاف المقصود منه، أولها مراعاة الخطاب للسياق التاريخي، والتكيف معه بما يحقق تأثيره والقناعة بمبادئه التي يراد إيصالها إلى الناس، ويندرج هذا الأمر تحت مفاهيم "فقه الواقع والنوازل وتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان"، والاختصاص العلمي الذي يجعل الخطاب ليس كلاً مباحاً لكل أحد، رغم أنّ -للأسف- المجتمع الآن يتقبل كل من ركب موجه الدعوة والوعظ دون القدرة على التمييز بين المؤهل وغير المؤهل، إلى جانب اتساق الخطاب مع طبيعة المجتمع المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ مما يجعل الخطاب عامل جمع للكلمة وتوحيد للجماعة ونابذ لأسباب الفرقة والشقاق. وأشار إلى أنّ أبرز الظواهر التي أحدثتها التعددية في وسائل الاعلام هي انفتاح الناس على آراء جديدة لم يكونوا يسمعون بها في الاختيارات الفقهية، وكسر قضايا كان الناس يرون أنّها محسومة دينياً وفقهياً؛ مما أدى إلى حالة من التشكك والاضطراب عن الخطاب السائد، وأحدث ردات فعل غير منضبطة، ورفض المدرسة الفقهية الحالية، ويمكن أن يصل الحال بالبعض إلى رفض الخطاب الديني كله، معتبراً أنّ هذا جزء منه نتيجة الانفتاح العصري، وجزء منه فقدان العلماء الكبار الذين كان لهم دور أكثر تأثيراً في الساحة، لافتاً إلى أنّ هذه الإشكاليات طبيعية في الفترة الانتقالية بين حالة الانغلاق المجتمعي على رأي سائد واحد وبين مرحلة الانفجار التقني والمعلوماتي والتواصلي، ويحتاج الناس إلى وقت ليستوعبوا هذه النقلة الكبرى، ومن ثم يرتبون أنفسهم معرفياً وذهنياً للطريقة المثلى في التعامل مع المتغيرات.