في الفترة الأخيرة، هبت العديد من الأمانات خصوصا في المدن الكبرى، ونفذت حملات تفتيشية على مطاعم ومحلات الوجبات الغذائية وغيرها، وأصبحت تتبارى في إعلان أرقام ضخمة عن حجم المخالفات والعقوبات، ومنها تشميع بعض المطاعم عديمة الجودة والتشهير بها لردع مسلسل العبث بالصحة العامة للناس، خصوصا أن مجتمعنا كثير الطلبات من المطاعم والوجبات خارج البيت، ورغم ذلك لا يعلم الآكلون والمشترون كيف يتم الطهي بالمطاعم ومستوى نظافة العاملين والمكان ومدى جودة المواد الغذائية المستخدمة. الأمانات نشرت أخبارا عن حملاتها، وكأنها تأتي بصيد ثمين، مع أن كل تلك المخالفات لم تأتِ فجأة، فالمطاعم والكافتيريات مفتوحة ليل نهار تحت بصر البلديات ومراقبيها، وهذا يطول شرحه، وقد أعلنت أمانة جدة عن إطاحتها دفعة واحدة بمائة مطعم وأكثر خالفت الشروط الصحية وغيرها من شروط الترخيص، كما أعلنت عن حصيلة مخالفات مفزعة لحملاتها الميدانية على مدار العام الماضي كاملا. عموما، أحسنت الأمانات بمثل هذه الحملات على المطاعم وضبطها مصائب غش وتلوث لا تحصى، ولأن مثل هذه الجولات الميدانية يفترض أنها تعكس مبدأ (الوقاية خير من العلاج)، كنا نتمنى لو عملت الأمانات بدرهم الوقاية من خلال استمرار الرقابة، وليس بالحملات الفجائية كل حين وحين، ولو كانت الرقابة مستمرة لما ظهر مثل هذا العدد من المطاعم المخالفة التي تتاجر في صحة البشر بإهمال الشروط المطلوبة، وما ينشر عن ضبطيات لطرق تخزين وأغذية غير صالحة وسط حشرات زاحفة وطائرة تسرح وتمرح، وما خفي أخطر من مظاهر غير صحية ومقززة للعاملين، يؤكد أن الرقابة تبدو موسمية تفتح عيونها حينا وتغمضها أحيانا. مشكلتنا أن صحوة الحملات ميدانيا وإعلاميا بهذه الصورة المكثفة سرعان ما تنتهي فورتها، فالقضية ليست في نشر أخبار أو تصريحات، وإنما في الواقع الذي يعاني من ثغرات رقابية كبيرة تهدد صحة البشر في ظاهرة الإهمال بالمطاعم والكافتيريات وعمالة أجنبية متدنية المستوى في المظهر والنظافة المهنية والشخصية، والدليل حجم تلك المخالفات؛ لذلك نتمنى لو انتظمت الرقابة ولا تغمض عينها، فالمثل يقول (من أمن العقاب أساء الأدب)، والأدب في تطبيق القوانين مسألة مهمة تحتاج إلى عين ساهرة وعقوبات رادعة، أيضا تقنيات المراقبة باتت في المتناول، ويمكن للأمانات التفكير في ربطها بشبكة المطاعم من خلال كاميرات التصوير، فكثير من المدن بالعالم تحت المراقبة المرورية ولكشف الجرائم، فهل يصعب تجاه أمن لقمة سليمة؟!.