قال خبراء نفطيون لـ"الاقتصادية" "إن تراجع أسعار الخام بشكل حاد منذ حزيران (يونيو) الماضي بنسبة وصلت إلى 50 في المائة ربما يسهم في تعطيل برامج الاعتماد على الطاقة البديلة ومصادر الطاقة غير التقليدية التي تتمتع بميزات نسبية مقارنة بالنفط الخام". وأشاروا إلى أن انخفاض أسعار الخام قد يزيد حمى المنافسة بين النفط التقليدي وأنواع الوقود الأخرى مثل الغاز الطبيعي الذي يتمتع بميزة سعرية كبيرة منذ عدة سنوات، مشيرين إلى أن تخمة المعروض في سوق النفط ستؤدي إلى إعادة النظر في كثير من الأمور المتعلقة بالاستثمارات النفطية الجديدة وخطط التوسع كما سيؤدي ازدياد التنافس في المعروض إلى تراجع عمليات التنقيب وتقليص الوظائف. وذكر بعض المحللبن أن قضايا البيئة ستفرض نفسها بقوة في الفترة المقبلة خاصة بعد تنامي إنتاج النفط الصخري وما يمثله من تهديدات بزلازل قوية بسبب عمليات تغيير معالم القشرة الأرضية وتكسير الصخور كما أنه على جانب آخر هناك تنام في عمليات التكسير الهيدروليكي لاستخراج الغاز الطبيعي ما يتطلب سياسات بيئية أكثر صرامة. ويقول كريستيان شونبور مختص الطاقة النمساوي لـ "الاقتصادية"، "إن حالة عدم التوازن بين العرض والطلب في سوق النفط وزيادة المعروض إلى حد التخمة هو أمر غير صحى للاقتصاد العالمي ويجب أن يتعاون المنتجون والمستهلكون في تحقيق التوازن والوصول إلى الأسعار العادلة التي تحمي مصالح كل الأطراف". وأشار شونبور إلى أن الولايات المتحدة اندفعت نحو تحقيق زيادة هائلة في النفط الصخري وهو ما أربك سوق النفط في الأشهر الستة الماضية بهدف تقليص وارداتها النفطية إلى جانب عوامل سياسية أخرى، موضحا أن هذا الأمر أثر حتى في التعاون الاقتصادي داخل قارة أمريكا الشمالية، لأن الأسعار المنخفضة للنفط أضعفت احتمالات موافقة الكونجرس على مشروع خط أنابيب كيستون إكس.إل حيث يعتبر البعض أن هناك عدم جدوى من نقل الخام الكندي المرتفع التكلفة نسبيا من كندا إلى ساحل الخليج الأمريكي. وذكر شونبور أن تقارير اقتصادية أكدت عدم استفادة الدول المستهلكة حتى الآن بشكل قوي من تراجع أسعار النفط حيث أشارت إلى ضعف نشاط المصانع في الصين وأوروبا في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، ما يؤكد ضعف النمو في الدول المستهلكة ما أدى إلى إبطاء وتيرة ارتفاع الطلب على النفط وأثر سلبا في بقاء أسعار متدنية. ويقول رجل الأعمال أحمد الصادي لـ "الاقتصادية"، "إن اضطراب الإنتاج في دولة نفطية كبيرة مثل ليبيا ليس في مصلحة الاقتصاد الدولي على الرغم من أننا نعاني حاليا وفرة المعروض ولكن الاستقرار السياسي وانتظام العملية الإنتاجية ضرورة للشعب الليبي ولدول المنطقة وينعكس ايجابيا على أداء الاقتصاد العالمي". وأشار الصادي إلى أن السيطرة على الحرائق الكبيرة في ميناء السدرة النفطي كان تحركا جيدا ولكن تبقى مشكلة تأمين المنشآت النفطية، متوقعاً أن يكون الإنتاج بنفس المعدل إذا تحسنت الأوضاع الأمنية لأن الخزانات المتضررة من جراء الهجوم المسلح لن تؤثر في عملية التصدير في المستقبل، لافتاً إلى تقارير تؤكد أن كمية النفط التي كانت في الخزانات ومعدة للتصدير قبل اندلاع الاشتباكات تبلغ مليونا وثمانمائة ألف برميل. وشدد على ضرورة تقديم كل عون دولي لدعم جهود جهاز حرس المنشآت النفطية والمحافظة على الموانئ النفطية والشركات العاملة بالهلال النفطي. من جانبه، أشار إيجور ياكوفلف المحلل الروسي لـ "الاقتصادية"، إلى أن الأوضاع في سوق النفط الدولي تتفاعل وتتأثر كثيرا بوضع الاقتصاد الروسي الذى يواجه كثيرا من التحديات الكبيرة في الفترة المقبلة بسبب العقوبات الاقتصادية وتراجع الأسعار في الوقت الذي وصل فيه الإنتاج في روسيا - أكبر مصدر للنفط خارج "أوبك" - إلى أعلى مستوياته بعد الحقبة السوفياتية في عام 2014. وكانت بيانات لوزارة الطاقة الروسية أظهرت أن متوسط إنتاج البلاد من النفط في عام 2014 بلغ ذروته في فترة ما بعد الحقبة السوفياتية ليصل إلى 10.58 مليون برميل يوميا بزيادة 0.7 في المائة مدعوما بإنتاج الشركات الصغيرة غير الحكومية. وتشير التوقعات الروسية إلى أن اقتصاد البلاد ينزلق نحو الركود عقب هبوط أسعار الخام وقد ينخفض إنتاج النفط إلى 525 مليون طن في عام 2015، وتتوقع وكالة الطاقة الدولية تراجع إنتاج النفط الروسي 1 في المائة.وأضاف المحلل الروسي أن "هناك أعباء جسيمة على الاقتصاد الروسي جراء فرض الكونجرس الأمريكي في الشهر الماضي بالإجماع ما سمي بقانون دعم الحرية في أوكرانيا، الذي يفرض عقوبات جديدة تطال المستثمرين في مشاريع النفط التي تعتمد على تكنولوجيا متطورة في حين فرض الاتحاد الأوروبي حزمة أخيرة من العقوبات استهدفت جمهورية القرم الروسية، حيث حظر على الأوروبيين السياحة والاستثمار والتجارة في القرم، والأمر برمته يعد إنهاكاً كبيراً لمداخيل الاقتصاد الروسي الذي يتسم بارتفاع الإنفاق العام وبالتالي يحتاج إلى أسعار مرتفعة للنفط". وأوضح ياكوفلف أن التقارير الاقتصادية تشير إلى أن الصعوبات التي يمر بها الاقتصاد الروسي حاليا، ومنها هبوط سعر صرف الروبل ما سيتسبب في مشكلة حقيقية للشركات الأوروبية التي تصدر منتجاتها إلى روسيا مهددا آلافا من العاملين الأوروبيين بفقدان وظائفهم. وأكد ياكوفلف أن هذه القضية تتعلق بآلاف الشركات الأوروبية التي تعمل في روسيا وكذلك المصارف الأوروبية التي تقدر قيمة قروضها لشركات ومصارف روسية بأكثر من 128 مليار يورو، مشيراً إلى ضرورة ألا تلقي القضايا والصراعات السياسية بظلالها الكثيفة على الأداء الاقتصادي الدولي، موضحا أن الخسائر الاقتصادية الفادحة التي تعانيها بعض الدول المنتجة ستمتد أثارها إلى بقية دول العالم لأن الاقتصاد الدولي وحدة واحدة وهناك ترابط وتكامل بين اقتصادات كل الدول. ومن ناحية أخرى وفيما يخص الأسعار، قلصت العقود الآجلة للنفط الأمريكي الخام مكاسبها التي حققتها في التعاملات أول أمس بعدما تراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2009 في ظل تخمة المعروض التي هوت بأسعار النفط إلى النصف منذ الصيف الماضي وطغت على إعادة المستثمرين ترتيب مراكزهم في بداية العام استعدادا لانتعاش محتمل في نهاية المطاف. وتراجع سعر الخام الأمريكي في عقود شباط (فبراير) أقرب استحقاق عند التسوية 0.58 دولار أو 1.09 في المائة إلى 52.69 دولار للبرميل بعد بلوغه أعلى مستوياته أول أمس عند 55.11 دولار. وهبط سعر مزيج نفط برنت في العقود الآجلة لتسليم شباط (فبراير) عند التسوية 0.91 دولار أو 1.59 في المائة إلى 56.42 دولار للبرميل متراجعا عن أعلى مستوياته 58.54 دولار الذي سجله الجمعة بعد 30 دقيقة من بدء التداول. وأنهى سعر النفط أول جلسة تداول في 2015 على انخفاض في سوق نيويورك بعد يوم طويل شهد أخيرا عودة بروز المخاوف من فائض العرض النفطي والمخاطر التي تحيط بحركة الطلب العالمية. وخسر سعر برميل النفط المرجعي الخفيف، تسليم شباط (فبراير)، 58 سنتا ليصل إلى 52.69 دولار في سوق نيويورك (نايمكس)، أي أدنى مستوى لدى الإقفال منذ 30 نيسان (أبريل) 2009.