كثيرة هي المواقف والقصص في حياة الشيخ الفارس "هباس بن هرشان الهباس" -أحد أشهر الفرسان في القرن الهجري المنصرم-.. مسيرته حافلة بالبطولات والوفاء وأخلاق الفرسان، وضروب الوفاء وشيم الرجال. أبدى "هباس" نبوغاً مبكراً في مجال الفروسية، وخاض العديد من الغزوات، وكان من المقربين والملازمين للأمير عبدالعزيز المتعب الرشيد -رحمه الله-، ولمعرفة الملك عبدالعزيز بالرجال وبعد نظره قرّب إليه "هباس" فكان الوفي والفارس، والحارس الأمين للملك في أحداث موقعة الجراب، وانضم لجيش الملك عبدالعزيز وأصبح أحد المقربين له وضمن أخوياه الخاصين، يثق به ويكلفه بالمهام الجسام؛ فكان كفؤا وأهلاً لما أوكل إليه. وعندما توفي الملك عبدالعزيز كان "هباس" مريضاً أعياه وأقعده المرض لكبر سنه، فأوفد ابنيه الشيخ نايف بن هباس والشيخ منيف بن هباس لحضور جنازة المؤسس -رحمه الله-، وقد حزن حزناً شديداً لوفاة الملك، وتوفي رحمه الله بعده بحوالي سنتين وعمره حوالي 95 عاماً، وكانت العلاقة بينهما متينة حيث كان الملك عبدالعزيز رحمه الله كثيراً ما يردد أن الشيخ "هباس" من أقرب الناس إليه. والشيخ هباس بن فهيد بن هباس من مشايخ قبيلة شمر ومن فرسانها المعروفين، واشتهر ب"هباس بن هرشان الهباس"، وعاصر حكم الرشيد وأيضاً آل سعود، وولد "هباس" وفقاً لأرجح الأقوال حوالي عام 1868م، في مدينة حائل وينتسب لعشيرة الويبار من عبده من شمر -إحدى كبيريات قبائل الجزيرة العربية-، وعزوته "أخو شاهة". وتعلق مبكرا بالفروسية، وشارك مع الأمير محمد بن عبد الله بن رشيد، وهو ابن العشرين ربيعاً في معركته عندما غزا بعض القبائل في الشمال، كما كان للشيخ "هباس" مشاركات حربية مع الأمير عبدالعزيز المتعب الرشيد، وكان له موقف مع الفارس "سواد بن ركيان العتيبي"، ومما يذكر أيضاً أنهما التقيا عند الملك عبدالعزيز لاحقاً وسأل "ابن ركيان"، قائلاً:"هل تعرف هباس بن هرشان يا سواد"؟ فردّ قائلاً: "هذا شأن الرجال". ومن مواقف الشجاعة ما أبداه "هباس" في معركة الطرفية المعروفة ب"الصريف" عام 1901م، حيث قاد الأمير عبدالعزيز المتعب الرشيد الجيش ووزع بيارق الخصم (ابن صباح) على فرسان شمر ومن ضمنهم "هباس"، واستطاع الإتيان بأحد بيارق الخصم، كما كان له دور بارز في موقعة كون "أم رضمة" عندما تعرض ومن معه للغزو واستطاع "هباس" بشجاعته وفروسيته صد الغزاة. ونستعرض جزءاً من مسيرة الشيخ "هباس" وفق ما أكده المؤرخون وحفظه التاريخ كإرث تتناقله الأجيال جيلا بعد آخر. الملك عبدالعزيز يعرف «معادن الرجال» حين استدعاه وقرّبه منه حارساً أميناً ومحارباً شجاعاً في معارك التوحيد فروسيته وغزواته وقد تناقل المؤرخون عمق الصداقة بين حكام حائل و"هباس"، ومن ذلك ما أورده المؤلف "فهد بن مارك" حول معركة (روضة مهنا) -التي قُتل فيها الأمير عبدالعزيز الرشيد عام 1324ه- في كتابه (من شيم الملك عبدالعزيز- الجزء الأول) من أن "هباس" كان ملازماً لعبدالعزيز المتعب، ومما ذكره في هذا الشأن كان عبدالعزيز بن رشيد يعتمد على الفارس"هباس" بإسناده الملمات الحربية الكبار ذات الشأن الخطر إليه، وفي الليلة التي قُتل فيها الأمير عبدالعزيز بن رشيد كان "هباس" أحد الفرسان الثلاثة الذين اختارهم الأمير وانتخبهم من بين فرسانه ليقوموا بمهمة (سبر) قوم الإمام عبدالعزيز بن سعود. ويؤكد "هباس" للمؤلف:"أنه ورفيقه يسيران وسط فرسان الإمام عبدالعزيز على صهوتي فرسيهما، وتغلغلا بين الجيش المهاجم ثم عاد هباس إلى أميره فأخبره بالهجوم الذي شنه عليه الإمام عبدالعزيز في آخر الليل". وكان "هباس" قد نصح الأمير عبدالعزيز بعدم الخروج من المخيم أو أن يخرج معه، لكنه الأمير عبدالعزيز -رحمه الله- أصر على الخروج حتى اقترب من جيش الخصم وكان مقتله (وفقاً لرواية المؤرخ فهد بن مارك)، وكان قد أوصى "هباس" بالبقاء مع أبنائه "متعب ومشعل حتى يعود إليهم". ومن مواقف "هباس" -رحمه الله- دوره البارز في فك الحصار الذي تعرض له الأمير سعود بن رشيد في الجوف نحو 1338ه، بالرغم أن "هباس" قد ابتعد كغيره من شيوخ قبيلته في تلك الفترة عن أبن رشيد، لكن عندما أرسل الأمير سعود بن رشيد ابن عمه الأمير عبدالله بن طلال إلى شمر يستنجد بهم نظراً لصعوبة الموقف الذي كان يمر به عطفاً على تزايد قوة خصمه "ابن شعلان"، وكان ل"العوني" القصيدة المعروفة التي نخا فيها فرسان شمر، وكان "هباس" من ضمن هؤلاء، وذلك في البيت التالي: وين هباس وبرجس هم وربع له وين عبده إلى ما حل ضبضابه وكان "هباس" قد نزح مع جماعته شمالاً لكن عندما وصلهم المرسول عاد ومن معه على أثره، وكان من ضمن الفرسان الذين شاركوا شمر في هذه الموقعة. الحارس الأمين جاء في كتاب (من شيم الملك عبدالعزيز-الجزء الأول) لمؤلفه "فهد بن مارك" أن ل"هباس" مكانة وتقدير لدى الملك عبدالعزيز، وذكر أن "هباس" كان الحارس الأمين للإمام عبدالعزيز بن سعود في معركة جراب عام 1333ه. وقال:"كان هباس الحارس الأمين للإمام عبدالعزيز بن سعود في معركة جراب عام 1333ه، التي كانت من أشرس المعارك التي خاضها جيش ابن سعود وجيش ابن رشيد، كما أورد خير الدين الزركلي في كتابه (شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز-الجزء الثالث" أن "هباس" كان ملازماً للملك عبدالعزيز في معارك الأحساء وأنه لما أصيب الإمام عبدالعزيز برصاصة في فخذه ذات مرة كان جالساً ومعه "هباس بن هرشان" ومجموعة من خاصته. ويسترجع الشيخ "متعب بن نايف الهباس" بالذاكرة إلى الماضي وينقل عن والده -رحمه الله- وما سمعه من كبار السن عن طبيعة العلاقة بين الملك عبدالعزيز وجده هباس الهرشان، مبيناً أن العلاقة بين جده الشيخ "هباس بن هرشان" وبين الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -رحمهما الله – بدأت مبكراً قبل توحيد المملكة، قائلاً:"كان جدي الشيخ هباس من مشايخ قبيلة شمر ومن فرسانها المعروفين، وحدث خلاف بينه وبين ابن رشيد -حاكم حائل في ذلك الوقت-، غادر على إثره إلى المنطقة الشرقية، ولما علم المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز دعا جدي الشيخ هباس ليكون ضمن جيش التوحيد وضمن أخوياه الخاصين، ومنذ ذلك التاريخ وحتى وفاة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه - في العام 1373ه، لم يتفرقا إلاّ بعد مرض جدي في سنواته الأخيرة، وكانت أول معركة اشترك فيها جدي الشيخ مع جيش الملك عبدالعزيز -رحمه الله- هي معركة جراب". كفيل الشمري! وفي سياق حديث الشيخ "متعب الهباس" عن جده ما يؤكد متانة العلاقة بين "ابن هباس" والملك عبدالعزيز قائلاً في ذلك:"عثر جنود الملك عبدالعزيز -رحمه الله- على أحد من أهالي حائل يرعى قرب وادي الدواسر، وكان ذلك قبل موقعة جراب الشهيرة (بأيام قليلة) والتي قاتل فيها جيش الملك عبدالعزيز جيش ابن رشيد حاكم حائل، فاقتاد الجنود هذا الرجل إلى الملك عبدالعزيز الذي أخذ يسأله عن عدة أمور فأخبره الرجل أنه يريد الذهاب إلى أهله في حائل، فخشي الملك عبدالعزيز أن يخبر هذا الرجل ابن رشيد عن جيشه ويتجسس عليه، فأمر الحرس أن يسجنوه حتى تنتهي المعركة التي كان قد تبقى لها خمسة عشر يوماً، وفي السجن أخبره أحد الحراس بوجود الشيخ "ابن هباس" مع الملك عبدالعزيز واقترح عليه أن يتوسط "ابن هباس" لإخراجه من السجن، وفعلاً ناشد هذا السجين "ابن هباس" بأن يتوسط له عند الملك عبدالعزيز، وكانت لابن هباس خيمة مجاورة لخيمة الملك عبدالعزيز، واستجاب "ابن هباس" وذهب إلى الملك عبدالعزيز وقال له: أنا أكفل هذا الرجل، وأضمن أنه يبقى هنا حتى نهاية المعركة ولا يغادر إذا أخرجته من السجن، فأمر الملك عبدالعزيز الحرس بإطلاق سراحه فوراً طالما أن "ابن هباس" قد كفل هذا الرجل وضمن بقاءه عند الجيش حتى نهاية المعركة بعد خمسة عشر يوماً". ويضيف الشيخ متعب:"كان هذا الرجل يشارك الملك عبدالعزيز مائدة الطعام اليومية طيلة هذه المدة، وبعد انقضاء المعركة الضارية التي كانت شرسة جداً، وكان وقت الليل وليس في معية جيش الملك عبدالعزيز -رحمه الله المؤن- الكافية التي تناقصت بفعل المعركة، طلب الملك من رجاله إحضار أي شيء ليأكلوه، فأحضروا له التمر، فسألهم: من أين أتيتم به؟ قالوا: وجدناه مع الرجل الذي كفله "ابن هباس"؛ فاستغرب الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، وتساءل قائلاً: ألا يزال هذا الرجل موجوداً معنا؟ قالوا: نعم، وقد رفض المغادرة أو الهروب وقت احتدام المعركة، فطلبه الملك عبدالعزيز، وسأله قائلاً: لماذا لم تغادر مع ربعك (يقصد أهالي حائل)؟ ولماذا لم تأخذ من المؤن كما أخذ غيرك؟ فرد الرجل قائلاً: لم أكن لأقابل كرمك ووفاءك مع "ابن هباس" ومعي بالخيانة، فأنا تقديراً لموقفك الشهم وتقديمك الثقة على سوء الظن كان لزاماً أن أفعل ما فعلت، وما هي من عاداتنا نكران الجميل، وكان الملك عبدالعزيز رحمه الله يعجب بمواقف الرجال ويقدرها، فأمر أصحابه -على قلة إمكاناتهم في تلك الأثناء- بكسوة هذا الرجل وتجهيزه براحلة (ذلول) وبكل ما يحتاج إليه للحاق بأهله في حائل". على خطى والده أنجب هباس من الأولاد أربعة هم: تركي ونايف وفهيد ومنيف، ولم يعش وينجب منهم سوى نايف بن هباس الذي سار على خطى والده في المجد والشهامة، وقد ولد "نايف بن هباس" عام 1336ه في حائل وترعرع في كنف والده الذي أستقى منه الكثير من خصال الرجولة والشهامة. ويذكر الأديب والمؤرخ "أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري" في وصف نايف الكلمات التالية:"كان من شيوخ القبائل البارزين الذين عرفوا بالحكمة وبعد النظر والحرص على فعل الخير ومساعدة الناس، وقد بنى على ما ورثه من والده، وأسس لنفسه وأسرته سمعة واسعة لدى شيوخ القبائل عامة وقبيلة شمر خاصة؛ فقد تزعم عشيرة الربيعية من عبده أحد أكبر أفخاذ شمر العريقة". روضة هباس ترجع نشأة روضة هباس إلى عام 1391 للهجرة إلى أمر كريم من الملك فيصل بن عبدالعزيز القاضي بإنشائها على الخط الدولي الممتد من الشرق للشمال الغربي من المملكة والموازي لخطوط التابلاين آنذاك (شرق محافظة رفحاء 100 كم شمال غرب محافظة حفر الباطن 180كم)، وبإحداثيات تقع على خط عرض 291534 وخط الطول 443180 بارتفاع 418 م عن سطح البحر، وتطورت روضة "هباس" شيئاً فشيئاً كباقي هجر المملكة؛ لتصبح بلدة كبيرة تحوي مقومات التطور والعيش الرغيد والاستقرار لساكنيها. وتعود تسميتها بهذا الاسم روضة هباس نسبة إلى موقع بالقرب منها (هشم هباس) والذي يضم على جنباته قبر المغفور له -بإذن الله- الشيخ "هباس بن فهيد بن هرشان"، وهي الآن بلدة عامرة تحكي بحاضرها سمو وعلو مكانة مؤسسيها الذين شهد لهم القرن الهجري الماضي صولات وجولات دونتها كتب التاريخ والتراجم وروتها لنا ألسنة الباحثين والمؤرخين الذين وجدوا في الشيخ "هباس" مادة ثرية في حسبها ونسبها.