لم تكن معارضة الإدارة الأميركية مفاجأة لمعارضة مشروع قرار مجلس الأمن الذي تقدمت به حكومة الأردن في ٣٠ كانون الأول (ديسمبر) الماضي، والذي يتوقع مفاوضات على الوضع النهائي لفلسطين خلال سنة مع طلب إنهاء احتلال الضفة من الآن إلى ٢٠١٧. الإدارة الأميركية لم تغير سياستها الداعمة إسرائيل منذ عقود. وعلى رغم كل ما وعد به الرئيس أوباما في خطاب القاهرة الشهير لم يفِ بأي منه. وتراجعه كان أسوأ من لو لم يكن وعداً. والملفت أن الإدارة الأميركية تأسفت، بل غضبت من باريس لأن فرنسا تجرأت وصوتت لمصلحة مشروع القرار. اعتمد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ووزير خارجيته لوران فابيوس موقفاً متناسباً مع تصويت غالبية البرلمان الفرنسي ومجلس الشيوخ في شأن المهلة الزمنية والمفاوضات. فسياسة هولاند الذي تم انتقاده مراراً لأنه ميال لإسرائيل أظهرت في النهاية صمود باريس إلى جانب حق الشعب الفلسطيني من دون المس بأمن إسرائيل وهي سياسة فرنسا منذ عهد فرنسوا ميتران، ثم الرؤساء الذين خلفوه من اليمين إلى الاشتراكي الآن. ولكن واقع الحال أن ما يجري الآن في الأراضي الفلسطينية مع دعم أميركي مستمر وأعمى لكل سياسات إسرائيل وغياب سياسيين إسرائيليين مثل اسحق رابين وضعف القيادة الفلسطينية التي تحتاج إلى تجديد كلي، أصبحت رؤية الباحث الفلسطيني ساري نسيبة أكثر واقعية من إنشاء دولة فلسطينية. ورؤية نسيبة تندرج من أن دولة فلسطينية على حدود ٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية أصبحت غير ممكنة مع نصف مليون مستوطن إن لم يكن أكثر في الضفة والقدس الشرقية وهذا مأزق. ويرى نسيبه أن الحل يكمن في وجود الشعبين على الأرض نفسها مع أسس المساواة والحرية على ان يتم ذلك في شكل فيديرالية من نوع معين. ولكن نسيبة يدرك طبعاً أن الشعب الإسرائيلي لا يريد ذلك لأنه يريد دولة يهودية، والفلسطينيين يريدون دولة فلسطينية. ويبدو أن صيغة إنشاء دولة فلسطينية فشلت ولن تنجح. فالدولة الفلسطينية إذا أنشئت ستكون محكومة بإسرائيل والمستوطنين ولن تكون قابلة للعيش باستقلالية اقتصادية مثلما هي تحت الاحتلال. ولكن، إذا بقي الشعبان في أرض واحدة لا يمكن أن تستمر الأمور كما هي الآن، لأن عدد الفلسطينيين سيفوق الإسرائيليين ولا يمكن أن تدوم صيغة الدولة اليهودية مع نوع من آبارتيد مثل جنوب أفريقيا محكوم بالتغيير. لكن، على رغم المأزق الذي يواجهه الشعب الفلسطيني فإن توقيع رئيس السلطة محمود عباس الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية تحرك مبرر ومفهوم في وجه مجلس أمن عاجز عن الوقوف بالحق إلى جانب شعب فلسطيني معتدى عليه وعلى أرضه يومياً. فكم دانت الأسرة الدولية بناء المستوطنات والحكومة الإسرائيلية لم تبالِ واستمرت ببنائها ولم توافق يوماً على أي مفاوضات حقيقية للحل العادل للقضية الفلسطينية. فلا يبقى لمحمود عباس إلا تحركات رمزية من أجل شعب يعاني مآسي الاحتلال والذل من دون حل في الأفق. ويثنى على الموقفين الأردني والفرنسي اللذين حاولا بقوة تمرير هذا القرار الذي أفشله كالمعتاد الجانب الأميركي المستمر في انتقاد فرنسا لجهودها لمصلحة حق الشعب الفلسطيني.