استأثر التعليم في بلادي بحصة قوامها 217 مليار ريال سعودي، متفوقاً على أقرب الهموم (الصحة والتنمية الاجتماعية) بسبعة وخمسين مليار ريال، حيث نالت الثانية 160 مليار ريال! وبالنظر إلى الرقم المرصود للتعليم في موازنة العام المالي الجديد، لا ينفك السؤال عن قرع العقل وتحجيم الإجابات! في ظل كل هذا الدعم المنسكب بسخاء الطوفان، نحن أمام وضع يصعب فهمه حول أسباب تراخي تطوير التعليم، وانعدامه في أحيان كثيرة. لتبسيط المسألة، ما الذي يجعلنا نخفق في أمر نجحت فيه دولة مثل كازاخستان؟ هذه الحالة المهمة من "نموذج الممكن" في تطوير التعليم، لم تهدأ حتى جعلت التعليم أولوية، وخلال سنوات قليلة، تمكنت في العام 2011م من احتلال المركز الأول على قائمة اليونيسكو لتطوير التعليم، وهذا المعيار الصارم يشمل: التعليم الأساسي، محو الأمية والمساواة. هذا هو الانعكاس الحتمي لاهتمام كازاخستان بمجانية التعليم قبل المدرسي، واهتمامها بالتعليم العام والثانوي الإلزامي. وبعيداً عن تميز كازاخستان المُبهر في مرحلة التعليم الجامعي والبحث العلمي، لك أن تتساءل فوراً: كم ترصد حكومة كازاخستان للتعليم حتى تقفز به هذه القفزات العملاقة من بعد جهل ونزاعات وقيود لا تنتهي من المحبطات؟ إليك المفاجأة: حصة التعليم في الميزانية العامة للدولة الكازخية بالكاد لامست الثمانية مليارات دولار (30 مليار ريال سعودي تقريباً)! مهلاً، هذا ليس كل شيء! فهذا الرقم مرصود منذ 2014 وحتى 2016م. أي أن الحصة السنوية للإنفاق لا تتجاوز العشرة مليارات ريال سعودي (تقريباً) لكل عام! لحظة من فضلك، تذكّر أنني لا أخضع آهاتي وتساؤلاتي للمقارنة بدويلة أو مجموعة جزر متناثرة! الحديث هنا عن دولة مسلمة تبلغ مساحتها أكثر من 2.7 مليون كيلومتر مربع، وهذه المساحة المهولة تتنوع طبوغرافياً بدءًا من الجبال الثلجية ووصولاً إلى الصحاري، ويسكن تضاريسها القاسية 17 مليون نسمة. أجدني مضطر كذلك لتذكير نفسي وإياكم بأن كازاخستان كانت محل نزاعات صينية سوفيتية لقرون، حتى اتخذها القياصرة الروس أرضاً تابعة لهم منذ 1907م، وعندما جاء الاتحاد السوفييتي، تعرض الكازاخيون المسلمون لمجاعة متعمدة بغرض إبادتهم، وخلال حكم ستالين أضحت كازاخستان موقعاً لـ "سجون العمل" القهري دون أجر أو حتى احترام لكرامة الإنسان! هذا هو الإنجاز الكازاخي الجديد، في دولة لم تحصل على استقلالها سوى العام 1991م، وفي مكان جاءت تسمية شعبه نسبة إلى (أرض البدوي الحر)، وما قيادات اليوم فيها إلا أسلاف لبدائيين كانوا يهيمون في الأرض على ظهور خيول برية.. في يسراهم رمح، وصقر في يمين كبيرهم حتى لا تفلت «طريدة» في القفار!