تعاملت مع بيع وشراء الأراضي مرتين في حياتي. ففي المرة الأولى اشتريت أرضا في الدمام وقمت ببيعها لاحقا لأشتري أرضا بدلا منها في الخبر لبناء منزل العمر عليها. ولو انتظرت ستة أشهر لشراء الأرض لما استطعت شراءها؛ لأن سعرها زاد مرتين خلال ستة أشهر. وأثناء عملية الشراء والبيع تعرفت على أساليب البيع والشراء وأصبح لدي شعور بأنه من المستحيل أن يكون هناك غش في عملية الشراء والبيع بسبب الروتين. وأما أن يقوم أي إنسان بتزييف صك أرض أو الاستيلاء عليها، فللأمانة لم يكن يدور بخلدي ذلك؛ لأن مثل هذه العمليات تمر على أكثر من مدقق. و إن كانت الأراضي كبيرة جدا فعادة يكثر المدققون ويتم تكوين لجان، وإضافة لذلك الكل سيسمع عن صفقة الشراء أو الاستيلاء بدون وجه حق فيما يخص الأراضي الكبيرة. لأنها عادة تكون حديث المجالس. ولكن وفي الايام القليلة الماضية سمعنا عن إلغاء عدد كبير من الصكوك في بعض مدن المملكة بمساحات إجمالية وصلت إلى حوالي (مليارين) من الأمتار وبسعر سوق يصل إلى حوالي اثنين من (التريليونات) من الريالات. ولعلم القارئ فإن كلمة ترليون تعني (مليون مليون). أي أكثر من الميزانية الحالية للدولة بعدة مرات. ومساحة هذه الأراضي تكفي لبناء بيوت متوسطة الحجم بمعدل خمسة أفراد لكل بيت لإسكان جميع سكان دول الخليج العربي الخمس الأخرى. أو بحساب بسيط فهي تكفي لإسكان 15 مليون نسمة. وبمعنى آخر وهو أنه يوجد لدينا الكثير من الأراضي «وإحنا ما ندري عنها». وبعد أن قرأت الخبر بدأت أسأل نفسي لماذا يدفع المواطن آلاف الريالات ثمنا لمتر من الأراضي التي هي في الحقيقة متوفرة وبكثرة. ولماذا تتعطل مشاريع حكومية مثل بناء المدارس والمستشفيات بسبب عدم توفر الأراضي في الوقت الذي نسمع عن صكوك مزورة وأراض تعدى عليها أناس معروفون سلفا لدى الجهات المختصة. وأهم من ذلك سهولة الحصول على منح (على الأقل في الماضي) لأراض في مواقع إستراتيجية تجعل من صاحبها بليونيرا في وقت قصير. فبناء مسكن اصبح مطلب لكل مواطن لأن صعوبة بنائه اصبحت تسبب مشاكل اجتماعية ومنها أن عدم امتلاك السكن هو احد أهم أسباب العنوسة في الوقت الحالي. ولهذا فمن الضروري أن تقوم الدولة ممثلة بالوزارات المعنية سواء وزارة العدل أو غيرها بعمل دراسة إستراتيجية وتكوين لجان ذات صلاحية كبيرة بحصر كل متر ليس عليه بناء سواء داخل المدن أو خارجها لمعرفة أعداد الأراضي التي هي منح، ولكن لم يتم الاستفادة منها وحصر صكوك الأراضي التي تتبع للدولة والتي تم التعدي عليها لكي يكون هناك حصر لمساحات الأراضي التي ممكن أن يستفيد منها المواطن العادي. وكذلك تفعيل رسوم على أي أرض بيضاء. فمشكلة السكن أصبحت مشكلة تقض مضجع كل مواطن وأصبحت المملكة بأراضيها الشاسعة من اقل الدول في نسبة تملك المواطن للمسكن. وهذا شيء بحد ذاته يخلق نوعا من عدم الاستقرار للأسرة. وبالطبع فثبات الأسرة واستقرارها هو ثبات للمجتمع. ولو تم التنسيق بين وزارة الإسكان ووزارة العدل حيال مسألة الأرض والسكن فمن الممكن ان يكون هناك هبوط في أسعار الأراضي والذي لا يوجد له أي داع في دولة تعتبر من الأكبر من ناحية المساحة في العالم.