يسعى الفلسطينيون إلى تحقيق سلام عادل ودائم مع إسرائيل. ويبدو أن خيارات السلطة الفلسطينية أصبحت ضيقة بعد أن تمادت إسرائيل في مراوغاتها ولعبها وأفصحت عن نواياها أنها تود أن تبقى كياناً معتدياً ومحتلاً وتعرقل عقد أية اتفاقية سلام مع الفلسطينيين. وجزء من نفاذ خيارات الفلسطينيين، هو أنهم أصبحوا الآن ينهضون بالدور الذي من المفترض أن تتولاه إسرائيل، وهو السعي لعقد سلام وصلح، لأن إسرائيل هي الكيان المعتدي وهي التي تحتل أرضاً فلسطينية، وهي التي جمعت أناسا من قارات العالم وأعطتهم أحقية تملك الأرض الفلسطينية، وشردت الفلسطينيين وشنت عليهم حروب إبادة طوال عشرات السنين الماضية. لهذا كان يفترض أن تسعى إسرائيل إلى عقد سلام مع الفلسطينيين وليس العكس. ويتحمل المجتمع الدولي آثام المأساة الفلسطينية، لأن الدول الكبرى التي تدعي أنها تحرس الضمير العالمي والسلام في الكرة الأرضية، هي التي دعمت كل عدوان إسرائيلي، ووظفت قواها وقدراتها الدولية لتلبية الرغبات العدوانية الإسرائيلية، وفرضت ضغطاً على الفلسطينيين كي يلبوا الرغبات الإسرائيلية المنحرفة وغير السوية. وبعد أن أدى الفلسطينيون كل ما عليهم، وأوفوا بالتزاماتهم، وقدموا تنازلات موجعة لإسرائيل، نجد أن إسرائيل لم تقابل كل هذا إلا بمزيد من الغطرسة والعدوان والإحجام الكلي عن الاشتراك في أية مفاوضات سلام جادة يمكن أن تؤدي إلى عقد اتفاقية تعيد للفلسطينيين بعض حقوقهم، وتضع حداً للعدوانية الإسرائيلية. ومراوغات إسرائيل وتهربها من أي التزامات نحو السلام، تجعلها تعيش ثقافة عدوان مستمرة، لهذا فإن أية حكومة صهيونية تحاول التملص من الانخراط في أية مفاوضات جادة لتحقيق السلام للفلسطينيين والإسرائيليين. الآن بعد عقود من عدوانية إسرائيل ورغبتها الصريحة في أن تبقى كياناً عدوانياً محتلاً، يتحتم على المجتمع الدولي أن يضع حداً لهذه اللعبة الإسرائيلية التي حولت فلسطين إلى مسرح حروب، وجعلت من الفلسطينيين فئران تجارب للأسلحة الإسرائيلية، وميدان تدريب لجنودها. وفي هذه الأيام بالذات يتحتم على القوى الكبرى أن تلتزم بمسئولياتها التاريخية تجاه الشعب الفلسطيني، وأقل ما يجب عليها أن تصوت لصالح المشروع الفلسطيني في مجلس الأمن. وهو مشروع منطقي وحكيم وهادئ، ولا يلزم إسرائيل إلا أن تخضع لمتطلبات المجتمع الدولي وتنهي سلوكها الغريب الذي يجعل حقوق الفلسطينيين ودماءهم مجرد لعبة إسرائيلية مفضلة، وأن تعلن جدولاً زمنياً للمفاوضات كي يعرف الفلسطينيون بعدها مصيرهم، وعما إذا كانت إسرائيل قابلة لأن تكون دولة سلام، وينهي المراوغات الإسرائيلية، واستهتارها بحقوق الناس ودمائهم، وتنكرها لقرارات مجلس الأمن الدولي، ويجرد إسرائيل من قدسيتها، ويمنعها من أن تكون فوق القانون الدولي وفوق حقوق الناس، وفوق إرادة المجتمع الدولي. وفي الحقيقة إن الدعم اللامحدود الذي تجده إسرائيل من القوى الكبرى، على مدى عشرات السنين، هو الذي جعلها تتمادى وتتدلل وترى نفسها فوق كل الدول وأسمى من القوانين وأكبر من السلام، وانتجت أوهاماً جعلتها تصور جرائمها وحروبها قضايا شرعية. ولكن 65 عاماً من دماء الفلسطينيين تجعلها دولة مجرمة ومعتدية وملطخة بالآثام ولا يمكن أن يغفر لها التاريخ يوماً.