لا أظن أنه تم أرشفة مخطط الفوضى الخلاقة ليصبح ابنا شرعيا للماضي، إذ أن عروقه لا تزال تنبض في أكثر من دولة، وإلى أن يتلاشى أو يعاود الحياة ظهرت بوادر تشير إلى استبدال السيناريو وإحلال أبطال جدد لتحقيق هدف تجزئة المجزأ.. فهل نحن بحاجة إلى ترتيب الأحداث لنرى الأبطال الجدد؟ أثناء الحرب الباردة بين قطبي العالم، احتاجت أمريكا للتيارات الإسلامية الحركية للدفع بها في مواجهة الاتحاد السوفيتي كتبديد لقوتها الكامنة المتنامية، وفي الجانب الآخر إشغال الروس بحرب استنزافية تمنع التمدد الأيدلوجي، مع احتساب أن نتيجة المواجهة تستهدف القضاء على قوتين مناهضتين لتوحش الرأسمالية، مع التأكيد على بقاء التيارات الإسلامية تحت النظر. في ذلك الوقت، تولدت ظروف عجلت بنهاية الاتحاد السوفيتي، إذ كان السوفيت يعانون من تآكل داخلي وانهيار اقتصادي بسبب التكلفة الباهظة للتسلح والسير في طريق حرب النجوم، كذلك نشأت رغبة داخلية لاستبدال النظام الاشتراكي العتيق من أجل الدخول إلى آلية السوق الحر، وكان مجيء جورباتشوف مبشرا بالبروسترويكا داعما لتلك الرغبات، وكلها ظروف أسهمت في تهاوي إمبراطورية الشر (وفق الرؤية الأمريكية) من الداخل قبل الخارج، ومع سقوط الاتحاد السوفيتي ظن مجاهدو أفغانستان أنهم هم من أسقط هذا العملاق الضخم، فاتسعت أحلامهم لإسقاط أمريكا التي صنعتهم، هكذا وفجأة وجدت أمريكا نفسها في مواجهة مع قوة متحفزة امتلكت ثقة ــ وإن كانت وهمية ــ أنها قادرة على فعل أي شيء، وكان لا بد من إدارة هذه القوة وتوجيهها، خصوصا أنها قوة تستند على دفع ديني يمكن مساندتها (حتى ولو كانت المساندة عاطفية)، وبهذه المواجهة يكون قد تم إيقاظ المارد النائم في غير أوانه. ومع سقوط برجي التجارة الدولية كانت الفرصة السانحة لأمريكا لخلق خصم جديد يبقيها متحفزة في كامل لياقتها، ولأن منطقة الشرق الأوسط مربع حي ومتجدد الصراعات وبه ثروات طبيعية هائلة، تم نقل لعبة مواجهة العدو الجديد إليها بحجة مساندة الديمقراطية. وكان الخيار اختيار قوة إسلامية لتصل إلى الحكم استرضاء للشارع الإسلامي، وأن تكون قوة برغماتية يمكن من خلالها جمع التيارات الإسلامية الحركية تحت لوائها، ويكون الهدف الآخر إسقاط أنظمة عربية من خلال مخطط استدامة الفوضى بإيجاد الحالة ونقيضها، وقد مرت بنا تجربة فشل الإخوان (والتي كانت القوى المرشحة) لتحقيق الهدف، كونها قوة ومنظمة ومنتظمة منذ عقود، إلا أن فشلها والاختلاف حولها جعل المخطط يتجه إلى تفعيل الجناح المذهبي الإسلامي الآخر؛ لأن يكون الحاضر لخلق الحالة ونقيضها، وما يحدث على أرض الواقع الآن ينبئ بأن التفتيت القادم يعتمد اعتمادا جوهريا على رفع المذهبية شعارا للفتنة، ولأن دول الخليج سلمت من فتنة الإخوان، فالأداة القادمة لخلق الفوضى داخلها سيتم من خلال المذهبية، وإشارات ما يحدث في اليمن وتخفيف الضغط الأوربي عن إيران يشير إلى ترشيح إيران لاعبا جديدا في خلق الفوضى الخلاقة إلى منطقة الخليج. أعتقد أنه السيناريو القادم؛ لأن معطيات التجييش المذهبي قد بلغ مداه.