وفقا لتوجيهات لجنة بازل «3»، بأن تدخل معايير اللجنة حيز النفاذ بالكامل مع حلول العام 2019، سوف يطلب وابتداء من العام المقبل 2015 ولغاية العام 2018 من البنوك، الالتزام بشكل كامل بتغطية السيولة السريعة (LCR)، والسيولة المستقرة (NFCR) بنسبة 100%. لعل ما أثارنا للحديث عن هذا الموضوع في هذا المقال، هو عدة تطورات برزت خلال الأسبوع الماضي، في مقدمتها: الدراسة التي أعلن عنها صندوق النقد الدولي حول مخاطر تركز موجودات البنوك الخليجية، والتي قد تشكل عقبة أمام الالتزام بمعايير بازل «3» لجنة الحد من قدرتها على تسييل هذه الموجودات. ومن ثم الأخبار التي تتحدث عن احتمال تعرض 22 مصرفا خليجيا للعجز المالي بحلول عام 2020، وذلك لأسباب تتعلق بعدم قدرة هذه البنوك على الانسجام مع اشتراطات تطبيق بازل 3 فيما يخص معايير السيولة. وقد تزامن مع ذلك أيضا إعلان محافظ بنك الكويت المركزي الدكتور محمد الهاشل، أنه في إطار استكمال معايير لجنة بازل للرقابة المصرفية المعروفة بحزمة إصلاحات «بازل 3»، اعتمدت إدارة البنك تعليمات معيار تغطية السيولة لكل البنوك التقليدية والإسلامية وفروع البنوك الأجنبية في البلاد. وذكر انه بناء على متطلبات لجنة بازل فإن الحد الأدنى لمعيار تغطية السيولة هو نسبة 100% يتم احتسابها على أساس نسبة الأصول السائلة عالية الجودة إلى صافي التدفقات النقدية الخارجة خلال فترة ضغط على السيولة مدتها 30 يوما. وجميع هذه المخاوف والحقائق سبق لمحافظي البنوك المركزية الخليجية أن نوهوا اليها مؤكدين أن تطبيق متطلبات بازل 3 بحاجة إلى رؤية متأنية من قبل المصارف الخليجية؛ لأن انعكاساتها ستكون سلبية البنوك في تمويل المشروعات المستقبلية. وبينوا أن البنوك الخليجية لم تستوعب متطلبات بازل 3 من حيث متطلبات السيولة وليس من حيث كفاية رأس المال. ومن الصعب قياس الآثار المحتملة للإصلاحات المقترحة لبازل 3 على جوانب السيولة في المؤسسات المالية الخليجية في هذه المرحلة، ولكن التحليل الذي أجرته شركة ماكينزي عن آثار الإصلاحات على البنوك الأوروبية؛ يعطي فكرة حول ما هو متوقع عموما لصناعة المصرفية الخليجية. ووفقا لتحليل ماكينزي، فإن بازل 3 سوف تدخل إصلاحات من شأنها التأثير مباشرة على مستويات الرأسملة والتمويل في البنوك الأوروبية. وقدر تحليل ماكينزي أن الصناعة المصرفية في أوروبا بحاجة إلى زيادة إضافية بنسبة تتراوح ما بين 40 و50% في قاعدتها الرأسمالية الفئة 1، وهو ما يعادل 700 مليار يورو (قبل الأخذ بالاعتبار تأثير تطبيق نسبة المديونية والتي سوف ترفع نسبة العجز إلى حد كبير). كذلك، فإن الصناعة المصرفية الأوروبية عليها أن تضخ نحو 2 تريليون دولار إضافية كموجودات سائلة للغاية ونحو 3.5 الى 5.5 تريليون كتمويلات طويلة الأجل. وضمن ذلك، فإن على أكبر 16 مصرفا أوروبيا ضخ 700 مليار يورو في موجودات سائلة للغاية و 1.8 تريليون يورو كتمويلات طويلة الأجل. وعلى الصعيد الخليجي، توضح البيانات أن إجمالي الموجودات في البنوك الخليجية يبلغ نحو 1.2 تريليون دولار عام 2013 في حين يقدر حجم الأموال السائلة ما بين 15% و 25% من الميزانية، أي ما يعادل 250 - 300 مليار دولار في المتوسط. ووفقا لمراقبين، فإن معايير لجنة بازل الجديدة قد تتطلب زيادة هذه الأموال بنحو 50 – 100 مليار دولار. وتعطي تعليمات بنك الكويت المركزي فيما يخص معايير السيولة مؤشرا على ما اتبعته أو سوف تتبعه بقية البنوك المركزية الخليجية؛ نظرا للتنسيق القائم بينها ونظرا لكونها تحرص على دفع البنوك تحت رقابتها على الارتقاء في معايير عالمية إلى مستوى البنوك العالمية. كما أن متطلبات (بازل 3) تقتضي تغطية المصارف للسيولة السريعة (LCR)، والسيولة المستقرة (NFCR) بنسبة 100% بحلول عامي 2015 و2018 على التوالي. ولعل الخبر الذي ذكرناه في بداية المقال، والمتعلق باحتمال مواجهة 22 مصرفا خليجيا مصاعب في الالتزام بمعايير بازل 3، فيما يخص السيولة، يشير إلى مسح أجراه البنك المركزي الإماراتي لمستويات السيولة المتوافرة في البنوك، والذي بين وجود نقص في السيولة لدى نحو نصف البنوك الإماراتية، حيث أظهر المسح تقارباً بين المصارف في معدل صافي التمويل المستقر، الذي وصل إلى أكثر من 100٪ لدى 26 مصرفاً في الدولة، وراوحت نسبته بين 50 و100٪، لدى 22 مصرفاً، وكان أقل من 1٪ لدى مصرف واحد. ومثل هذه المصاعب سوف تنعكس في حدوث نوع من التشدد الائتماني وعدم قدرة المصارف على تمويل المشاريع التنموية الضخمة التي تقودها الحكومات، إلى جانب أن تطبيق هذه المعايير سيؤدي إلى زيادة تكلفة القروض الممنوحة لأي قطاعات أو أنشطة اقتصادية. ولمواجهة توفير الودائع الطويلة الأجل لدى البنوك، برزت دعوات للجهات الحكومية المعنية مثل: وزارات المالية، والبنوك المركزية، والبورصات الخليجية، إلى ضرورة البدء في تطوير سوق السندات والصكوك، لتوسيع مجال تمويل الشركات عن طريق السندات والصكوك، في الوقت الذي قدروا فيه حاجة السوق الخليجي من السندات والصكوك إلى نحو 200 - 300 مليار دولار. وتتضاعف أهمية مثل هذه الدعوات في مثل أيامنا هذه، حيث انخفاض أسعار النفط بنسبة 40% خلال الأسابيع الماضية، وما سوف يؤديه من تراجع كبير في الإيرادات النفطية الخليجية. وإذا ما رجعنا لدروس الأزمة العالمية لعام 2008، نلاحظ أن أشد التأثيرات للأزمة وما صاحبها من تراجع في أسعار النفط، كانت الضغوط التي ولدتها على سيولة البنوك الخليجية، إلى جانب تدهور نوعية الموجودات، لكون جزء كبير من ودائعها هو من فائض الإيرادات النفطية الحكومية، كما أن ودائع القطاع الخاص لديها تتأثر بدورها وبشكل كبير بحجم المشاريع الموكل له تنفيذها من قبل الحكومات، والذي يتأثر بدوره بحجم الإيرادات النفطية الحكومية.