يبدو أن زعيم كوريا الشمالية الشاب لا يتمتع بروح رياضية، رغم الحديث عن هواياته الرياضية. اتهمت الحكومة الأميركية قراصنة إنترنت تابعين لكوريا الشمالية بشن هجمات على أنظمة ومعلومات شركة سوني المنتجة لفيلم سينمائي أثار غضب بيونغ يانغ، بسبب تناوله الساخر لشخصية الزعيم الملهم. فيلم «ذي إنترفيو» The Interview صار شغل العالم الشاغل، وخلاصة قصته سعي صحافيين أميركيين لإجراء مقابلة مع الزعيم الأحمر، وتعلم وكالة المخابرات الأميركية بهذا فتحاول استخدام الصحافيين لاغتيال عدو أميركا. الزعيم الكوري الشمالي ليس هو الغاضب الوحيد، فمعه جماعة الصحافيين الأميركان الذين اعتقدوا أن الفيلم يعرض مهمات الصحافيين للخطر ويزرع الشكوك الأمنية تجاههم في البيئات المعادية والخطرة. المفارقة أنه بسبب هذا اللغط والهجمات انتشر الفيلم أكثر، في سلوك طبيعي؛ فكل ممنوع مرغوب، وأيضا ثمة تحد واستفزاز للقيم الأميركية القائمة على الحرية والليبرالية، وهنا تتعرض هذه القيم للقمع والقيد، ما لا يرضاه الضمير والعقل الأميركي الجمعي. قفز الفيلم إلى الترتيب الأول على قائمة «يوتيوب» لمقاطع الفيديو الأكثر شعبية، خلال اليوم الثاني على طرحه ضمن خدمة الفيديو التابعة لـ«غوغل». وكانت «سوني»، كما جاء في «العربية نت»، أعلنت إطلاق الفيلم على عدة منصات عرض إلكترونية في الولايات المتحدة، وذلك تنفيذا لوعدها بعرض الفيلم رغم سلسلة التهديدات التي تلقتها من مجموعة قراصنة تبنت مسؤولية الاختراق الذي تعرضت له الشركة الشهر الماضي. عشاق نظرية المؤامرة لديهم اعتقاد بأن هذا كله ملعوب من الشركة المنتجة لترويج الفيلم، لكن هل يعقل أن تكون ملايين الدولارات، ومعلومات الشركة تذهب ضحية لحملة إعلانية؟! الأرجح أن ساكن بيونغ يانغ، شقي الحارة العالمية، أراد تأديب من يقل أدبه مع الزعيم، وعشاق التخريب والسطو الإنترنتي دوما في الخدمة، حبا في المال والأذى. وكما أن انفجار الاتصالات وعصر الإنترنت جعلا الحياة يسيرة، فقد جعلها عرضة للهتك والاختراق، وطبيعة الأذى والتلصص عميقة الغور في كثير من النفوس، ومنهم الذين اخترقوا مواقع سعودية حكومية، ووجدوا التصفيق والتفهم من بعض رواد «تويتر» والإعلاميين! في ظني أن مفهوم الخصوصية تغير مع سيلان الحكي والصور بمواقع التواصل الاجتماعي، لم يبق مكان لم تسلط عليه الكاميرات وتؤخذ فيه «السيلفيات». لم يعد لإنسان هذا الزمان جبل يعصمه من طوفان الثرثرة والنميمة والفضيحة. من هنا، فإن مفهوم الفضيحة نفسه تغير، ولم يعد له الأثر القديم نفسه، المدمر، المستمر لأجيال، الآن صار عمر الفضيحة والقضية بعمر اليوم، فالجميع على عجلة من أمرهم، وطاحونة الإنترنت تقول: هل من مزيد؟ بالعودة إلى قصة الفيلم الأميركي والغضب الكوري الشمالي، يبدو أن الزعيم يتصرف وفق معايير الفضيحة والإساءة القديمة، قبل عصر «تويتر» و«يوتيوب» وكيك. هناك أثر يروى عن الخليفة عمر بن الخطاب، يصلح قانونا للتعامل مع هذا الفضاء المنفلت وهو: «أميتوا الباطل بهجره».