بعد أيام على تخلي مجموعة من قدامى مساعدي الرئيس السريلانكي ماهيندا راجاباكسا عنه، جرى تشبيههم بيهوذا الإسخريوطي وثعبان جنة عدن، لكن لا شيء عبر عن عمق جرح وحيرة الرئيس سوى حقيقة تخليهم عنه بعد تناولهم معه وجبة من الجندب. عندما شاهد راجاباكسا حلفاءه القدامى يباشرون الشهر الماضي حملة مفاجئة تهدف لمنع إعادة انتخابه، لم يكن في وسعه سوى أن يدفن شعوره بالمرارة في الجندب والفطائر المصنوعة من دقيق الأرز المخمر التي تعد من الوجبات المفضلة في سريلانكا. وأثنى على وزير الصحة الجديد، الذي حل محل الوزير الذي يعد أبرز المنشقين، قائلا إنه «شخص يأكل الجندب ليلا، ثم يطعنك في ظهرك صباحا». ومعروف عن راجاباكسا نجاحه في الحملات الدعائية ورسوخ أقدامه، فهو يتمتع بثقة غير عادية لدرجة أنه قرر إجراء الانتخابات في 8 يناير (كانون الثاني) المقبل، قبل عامين من انتهاء ولايته الثانية؛ لكن الانشقاقات جاءته على حين غرة، وأصبح متوترا بشدة، إلى درجة أنه بدأ يتعهد بتقديم تنازلات، مثل القيام بإصلاحات دستورية وإجراء تحقيق في احتمال ارتكاب جرائم حرب خلال الحرب التي شنتها الحكومة على الانفصاليين في شمال البلاد، إذا فاز بفترة ولاية ثالثة مدتها 6 سنوات. في مسيرات المعارضة، تصغي الحشود باهتمام إلى حديث الحلفاء السابقين للرئيس عن «الديكتاتورية الناعمة» التي يسيطر عليها راجاباكسا وأقاربه، الذين يشغلون عشرات المناصب الحكومية العليا. كما تباهى المنشقون بكيفية التخطيط لفعلهم تحت سمع وبصر الرئيس، عبر أحد تطبيقات الهواتف الذكية. ويجري متابعة التحدي الذي يواجهه راجاباكسا عن كثب، في نيودلهي وواشنطن وبكين، حيث تنظر هذه العواصم إلى هذه الجزيرة باعتبارها موقعا استراتيجيا في منطقة بحرية متنازع عليها. وجعل راجاباكسا بلاده تميل إلى الصين، التي قدمت إلى سريلانكا مليارات الدولارات على هيئة قروض من أجل إنشاء موانئ وطرق سريعة جديدة. وترتاب الهند على وجه الخصوص من هذا التوجه، حيث احتجت خلال الأشهر الأخيرة مرتين على ظهور غواصات صينية في أحد الموانئ في العاصمة كولومبو. وقام راجاباكسا، في استعراض لمدى التأييد الشعبي الذي يتمتع به بعد سحق تمرد الشمال، بإلغاء مادة دستورية كانت تمنع الترشح لأكثر من فترتين رئاسيتين، وعزل رئيسة المحكمة العليا عندما قاومت تركز السلطات في يديه. ولكن يبدو أنه كان أقل حذرا بشأن المعارضة التي كانت تستعر في نفوس أشخاص يجلسون بجواره في اجتماعات مجلس الوزراء. وقال آلن كينان، أحد كبار المحللين في مجموعة الأزمات الدولية، عن الرئيس وعائلته: «إنهم يعتقدون أنه لا يوجد من يتمتع بالقوة الكافية ليواجههم. الآن بعد انهيار السد، أصبحوا قلقين للغاية من احتمال مواصلة هذا الانهيار؛ فسريلانكا دولة سياسية للغاية. ويعتبر هذا النوع من الاستبداد تحولا كبيرا جدا». يتمتع راجاباكسا بشعبية كبيرة بين الغالبية السنهالية، وهم بوذيون يشكلون نحو 70 في المائة من السكان الذين يرجعون الفضل إليه في إنهاء الحرب الأهلية التي استمرت 26 عاما ضد متمردي أقلية التاميل في عام 2009. وجلبت سنوات ما بعد الحرب معها نموا اقتصاديا مطردا وشهدت انخفاضا سريعا في معدلات الفقر. لكن برز تذمر من ارتفاع مستوى المعيشة. وقال سامباث جاياسونديرا (33 عاما)، وهو صاحب متجر في كوليابيتيا: «يسأل الزبائن الآن عن أسعار المواد الغذائية قبل الإقدام على شرائها. شيئا فشيئا، الناس ينسون أمر الحرب. وبينما ينسون الحرب، تطفو على السطح مشاكل أخرى». كذلك، قال سومارو ويجيسينغ، وهو صحافي في إحدى الجرائد الموالية للحكومة، إن من الطبيعي أن تتراجع شعبية راجاباكسا نظرا لأنه موجود في الحكم منذ نحو 10 أعوام. وأضاف: «عندما تظل في السلطة لفترة طويلة من الزمن، قد تتحول إلى ديكتاتور، والشعب لا يرغب في ذلك». يعد أي تآكل في شعبية راجاباكسا خطرا قد يهدد مستقبله، ذلك لأنه لا يحظى بتأييد كبير من قبل الناخبين المنتمين إلى الأقليات، فالتاميل مستاؤون من انتصاره منذ نهاية الحرب الأهلية، والمسلمون يشعرون بالإقصاء جراء تعرضهم لهجمات وحشية شنها متشددون ينتمون لجماعات بوذية. ويقول محللون إن الرئيس يحتاج إلى ما لا يقل عن ثلثي أصوات الجماعة العرقية السنهالية ليفوز بفترة رئاسية جديدة. ولكن ما زال هناك سر كبير وغامض: لماذا أصبح قادة حزب الحرية السريلانكي التابع لراجاباكسا، الذي يقوده وزير الصحة مايثريبالا سيريسينا، عازمين فجأة على المخاطرة بتحدي الرئيس بعد مساندتهم له لفترة طويلة. فمنذ أواخر نوفمبر (تشرين الثاني)، بعد وقت قليل من دعوة الرئيس لإجراء الانتخابات، استقال 15 وزيرا ونائب وزير ومشرعا، من الائتلاف الحاكم. وتسببت آخر استقالة، يوم الاثنين الماضي، في حرمان حزب راجاباكسا من أغلبية الثلثين التي يتمتع بها في البرلمان، والتي كانت تسمح بتمرير كافة التشريعات دون الحاجة إلى تأييد المعارضة. وخلال الأسبوع الماضي، بدأت تظهر إعلانات مدفوعة تأييدا لمرشحي المعارضة في الصحف وعلى شاشات التلفزيون. ويعد سيريسينا الآن هو المنافس الرئيسي لراجاباكسا على منصب الرئيس. من جانبه، قال وزير الإعلام كيهيليا رامبوكويلا، إن حملة المعارضة تضلل الرأي العام من خلال التركيز على أفراد عائلة راجاباكسا. وتساءل قائلا: «هل يعقل أنه، لمجرد أن يكون للرئيس أقارب مؤهلون، أن يغادروا الجزيرة ويعملوا في مكان آخر؟ أين الأساس المنطقي في هذا؟ كل هذا من قبيل الدعاية. وللأسف، فإن للرئيس الكثير من الأقارب من ذوي المؤهلات العالية». وقال: إن راجاباكسا مجروح ولكنه غير مندهش، من انشقاق مساعديه، الذين كان ولاؤهم له موضوعا لشائعات لعدة أشهر. أما نامال الابن الأكبر للرئيس، فاستخدم لغة أكثر حدة، حيث وصف سيريسينا بأنه «الرجل الذي قضى على بقايا إيماني في الجنس البشري». وكتب على مدونته: «إنه مثل الثعبان الذي غدر بحواء في جنة عدن، أو هو بالأحرى مثل يهوذا الذي خان أصدقاءه بعد العشاء الأخير. لقد تحول إلى الجانب الآخر دون كلمة، أسرع مما تغير الحرباء لونها». * خدمة «نيويورك تايمز»