×
محافظة المنطقة الشرقية

إبصار تشارك في الحملة السنوية الثالثة لذوي الاحتياجات الخاصة

صورة الخبر

برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة شراء الشهادات العلمية العليا (دكتوراة) مقابل حفنة من الدولارات؛ من أشخاص عديمي الضمير، إنما همّهم تسويق أنفسهم للمجتمع بالزيف والكذب، والتزوير والتدليس على عباد الله. وهم في حقيقتهم مزدوجو الشخصية كاذبون، لا سيما بين أبنائهم وأفراد عائلاتهم وأصدقائهم ومجتمعهم، لكن السؤال الذي يفرض نفسه والحال كذلك هو: ما موقف المزوّر عندما يكتشف أبناؤه وأقرب الناس إليه حقيقة تزويره للشهادة عبر الإنترنت وبغير وجه حق؟! إن مثل هذا العمل يفضي إلى خطورة على المجتمع، لما فيه من غش وخداع، وكذب وتزوير، وتدليس وخيانة، وتضليل وجريمة، وقل ما شئت من الأوصاف المذمومة في ذلك، ناهيك عن حرمته شرعًا. وإنما كان الهدف من الحصول على تلك الشهادة هو أن يحظى الشخص بلقب دكتور لينال مكانة اجتماعية لدى المجتمع، وفي المنتديات والصالونات، والمناسبات الاجتماعية، واهمًا بأن اللقب سيمنحه مكانة اجتماعية تعوّض النقص في ذاته وعقله، متجاهلًا بأن مثل هذا اللقب المغتصب المسروق لن يمنحه رفعة ومكانة، بل سيزيده احتقارًا وازدراءً بعد أن يعرف الناس حقيقته مهما طالت مدة اختفائها؛ فلا بد للباطل أن يسقط يومًا ويتكشّف. وبالنظر إلى حقيقة شهادة الدكتوراة التي يسعى إليها كثير من الناس سعيًا محمومًا، نجد أنها لا تعني قمة المعرفة ومنتهى الحكمة والبصيرة؛ بل خلاف ذلك، فليس اللقب سوى إشارة إلى درجة علمية حصل عليها الفرد دون أن يتضمن أي تزكية لصاحب الدرجة، وقد يتناسى بعض أولئك المدلّسين أن هناك ممن يحملون ألقابًا علمية حقيقية إنما يمارسون تصرُّفات خاطئة في حياتهم، يتساوون فيها مع الأميين والجهلة، ولهذا فإن قيمة الشخص الحقيقية تكمن في ذاته بعيدًا عن منصبه أو لقبه أو مكانته العلمية أو المالية أو الاجتماعية، كما أنه من الظلم أن يجدّ ويتعب أصحاب اللقب الحقيقيون الذين بذلوا جهودًا في التقصِّي والبحث عن المعلومة في المكتبات والكتب المختلفة، وفي كتابة الأبحاث والدراسات، وتحمَّل بعضهم عناء الغربة، والدراسات بلغاتٍ أجنبية، وفجأة يجدون أنفسهم في مقارنة ظالمة بأحد معدومي الضمير ممن اشترى شهادة علمية عالية من الدكاكين المنتشرة على قارعة الطريق في كثير من البلاد، وقد فُضح أصحاب الشهادات المزورة في شتى وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، وعبر الإنترنت، ولم يعد بالإمكان تغطية الشمس بغربال. إن الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع هي أنه لا يُقدِم على مثل هذا الفعل المشين إلا جاهل، وما اشتراها إلا لسد النقص في شخصيته وتركيبته، وعدم قدرة عقله على الإلمام بالمعرفة من قنواتها ومصادرها المعلومة المعروفة، واهمًا "سعادة الدكتور" بأنه سيلقى في المجتمع والصالونات والمنتديات التي يحل بها كل اهتمام وتقدير ومكانة مرموقة بفضل اللقب الذي اشتراه ظلمًا وعدوانًا، متجاهلًا بأن الغالبية من الحضور يدركون جيدًا حقيقة الشهادة التي اشتراها، سيما وأن غالبية من اشترى شهادة الدكتوراة أصحاب ثقافة ضحلة، يفضحهم حديثهم ومنطقهم وأسلوبهم، ويكشف ذلك التزوير والتدليس مداخلاتهم في أي حوار، وعند أي نقاش علمي جاد. ويعظم خطر هذا التزوير في الشهادات إذا مارس المزوّر عملًا حيويًا يمس حياة الناس، كالطب والصيدلة والتمريض والهندسة، وما يتبع ذلك من وظائف حسّاسة الخطأ فيها غير مغتفر، لما لهذا التزوير من تبعات خطيرة على الأرواح البريئة. وفي الأيام الأخيرة -وللأسف الشديد- انتشر التخفيض السنوي لشراء الشهادات العليا الوهمية بعرض تخفيض مغرٍ "اشتر ماجستير واحصل على الدكتوراة مجانا"!! لقد ساهم المجتمع في الإعلاء من قيمة اللقب، وساهمت بعض النخب وبعض أصحاب الصالونات والمنتديات في الإفراط بمنح مزوّر الشهادة لقب سعادة الدكتور، ولو أن المجتمع عامل الناس حسب شخصياتهم الذاتية وكفاءاتهم وعطائهم بعيدًا عن الألقاب لأضحت الشهادة بلا قيمة. في المجتمعات المتقدمة يُعامَل الناس حسب كفاءتهم ومهاراتهم، وفي أمريكا نادرًا ما يُوضع اللقب قبل الاسم إلا في حالات أكاديمية تخص الجامعة؛ لكن المجتمع لا يستخدم هذا اللقب ولا يحفل به كثيرًا. تفاقم عدد المزوّرين للشهادات العليا وشهادات البكالوريوس بأنواعه وتخصصاته المختلفة، وداهم الخطر المجتمع، ووزارة التعليم العالي هي الجهة المسؤولة عن كشف هؤلاء المزوّرين وإحالتهم للمحاكمة كمزوّرين. وقد حذرت وزارة الداخلية سابقًا من القيام بتزوير الوثائق والشهادات الدراسية، وجعلت لذلك عقوبة السجن من سنة إلى خمس سنوات (المادة 14 من نظام مكافحة التزوير، وعقاب مادي بغرامة مالية من ألف إلى عشرة آلاف ريال)، في حين نرى أن وزارة التعليم العالي لم تَسْعَ للكشف عن المزوّرين للشهادات العلمية لأسباب لا يعلمها الجميع، وإننا من هذا المنبر نطالبها بالسعي نحو الكشف عن أولئك المزوّرين؛ وإحالتهم إلى الجهات القضائية لما لهذه الجريمة من أضرار جسيمة تمس الوطن والمواطن في آن معا؛ فهل تفعل؟ هذا ما نرجوه. Hussain1373@hotmail.com