Follow تمنيت أن ينتظر وزير الثقافة والإعلام الجديد، الدكتور عبدالعزيز الخضيري، لمدة سنة ثم يخرج لنا بمشاريعه لتطوير مشهدنا الثقافي والإعلامي المحلي. لكن الدكتور بدأ أحاديثه الإعلامية بالإشارة إلى أن هناك مشروعا لحصر المثقفين، أو إيجاد قاعدة بيانات للمثقفين. وأنا شخصيا لا أعتقد أنه يمكن حصر (المثقف) على أساس الكم أو النوع. الثقافة عالم لا يعد ولا يحصى ولا يمكن أن تقاس بما في هذه المنطقة أو تلك من رؤوس ثقافية. وإذا كنا سنذهب فعلا إلى مشروع من هذا النوع فإننا سنتورط مبدئيا في تعريف المثقف الذي يجوز إحصاؤه ليكون في قاعدة البيانات المذكورة. ولربما اعتبر الأكاديمي، كما هو المفكر والأديب، مثقفا. بل ربما اعتبر كل من أصدر كتابا أو كتابين في أي موضوع مثقفا أو مثقفة. وليس هناك ما يمنع أن يثور غبار المعارك الشخصية حين يتم حساب هذا على المثقفين وذاك على المتسلقين والثالث على ما بين بين. وبالتالي أعتقد أن مثل هذا المشروع لم يأخذ وقته من التفكير والتمحيص وهو مرشج للفشل عند أول خطوة في تنفيذه. هذا طبعا إذا كانت الوزارة فعلا تعني بالضبط ما قالته وما فهمته من تصريح الوزير. هذا شيء، والشيء الآخر أنني كنت أنتظر من الوزير الجديد والوزارة أن يطيلوا الاعتكاف والتفكير في بناء استراتيجية ثقافية وإعلامية تستجيب للمتغيرات الداخلية في المملكة وتتعامل مع المتغيرات الخارجية التي لا يمكن أن نتجاهلها أو نهون من شأنها. نحن نعيش مرحلة أمنية وفكرية استثنائية يستعر فيها أوار التطرف والإرهاب الذي لا يستثني، متى قدر على ذلك، أية بقعة جغرافية عربية. ونعيش حالة من التجاذب المجتمعي تجاه قضايا متعددة من بينها الطائفية والتحريض ومقاومة الوسطية وبقايا أفكار جماعة (الإخوان) وجماعات أخرى تطل برأسها بين الحين والآخر. الشباب، أيضا، في غالبيتهم تائهون ومضطربون فكريا بسبب طول غياب الممارسة الفاعلة لمؤسسات الثقافة والإعلام. تلك الممارسة التي تعظم من قيمة الانتماء وتحصن اللحمة الوطنية وترفض كل ما هو ضد ذلك. وكلنا نعرف كيف تخطفت بعض الجماعات ومدارس التكفير والتطرف بعض الشباب، الصغار والكبار، من جراء الغياب شبه الكامل للفعل الثقافي والإعلامي المستنير والمؤثر في شبابنا من الجنسين. المرأة وتمكينها العلمي والعملي الذي دعمته القرارات السياسية الرشيدة التي اتخذت في السنوات الأخيرة لا تكاد تكون موجودة على خارطة الاهتمام الثقافي والإعلامي. هذا الوجود الذي يفترض أن يحدث منذ وقت طويل من باب مؤازرة عملية تمكين المرأة ودورها ورفع نسبة مشاركتها في الفعل والمنتج الوطني العام، سواء أكان هذا المنتج فكريا ثقافيا أو اقتصاديا أو مجتمعيا. وإذا تحدثنا عن ما يمكن أن يعتبر الجانب الإداري لمؤسساتنا الثقافية والإعلامية فإننا لا نزال نراوح عند تلك (البيروقراطيات) العقيمة التي تحرم مؤسسات الثقافة (الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون) من التأثير االاجتماعي الصحيح، وتمنع عن مؤسسات الإعلام الرسمية الاحتراف المطلوب الذي يوفر لها، كما هو حال مؤسسات إعلامية معروفة، أسباب جذب الجمهور والتأثير فيه. وكما هو ملاحظ فإن الإعلامي السعودي المميز يتسرب من قنواتنا التلفزيونية إلى قنوات أخرى تقدره بشكل أفضل على المستويين، المادي والمعنوي. ويوجد الآن إعلاميون سعوديون في بعض دول الخليج اختاروا فسحة الأداء الإعلامي المهني المحترف على ضيق بيروقراطياتنا. لذلك، بناء على كل ما ذكرته أو نسيته، أعود إلى دعوة الدكتور عبدالعزيز الخضيري وجميع أركان وزارة الثقافة والإعلام إلى اعتكاف طويل يخرجون منه بمحصلة بنائية، ثقافية وإعلامية، شاملة تتجاوب مع مرحلة سعودية متغيرة جذريا. وربما هو وهم يفعلون ذلك الآن، لكنني أخشى أن تستغرقهم تفاصيل حصر المثقفين ومشكلات الأندية الأدبية وعدد من المسائل الصغيرة فنفقد سرعة إنتاج هذه الاستراتيجية الملحة وجودة محتوياتها انتظارا لسرعة وجودة تطبيقها. عكاظ