عندما سقط جدار برلين بين الألمانيتين الغربية منها والشرقية، كان المشهد علامة ورمزية هائلة لنهاية حقبة وفترة الشيوعية والاتحاد السوفياتي وعودة أوروبا (كاملة) بعضها إلى البعض وانتصار الفكر الرأسمالي الليبرالي الغربي، مما جعل البعض يتبنى وبقناعة تامة أن هذا المشهد بات يمثل «نهاية التاريخ» بحسب أطروحة الكاتب الأميركي الآتي من أصول يابانية فرنسيس فوكوياما. ولم يكن هذا المشهد وحده هو المهيمن؛ إذ تبعه تنظير جديد مغزاه أن الحروب والصراعات القادمة لن تكون صراعات أفكار اقتصادية مثل الشيوعية والرأسمالية ولكن صراع حضارات بين مجتمعات الغرب ذات التوجه المسيحي في معظمها والمجتمعات ذات التوجه الإسلامي أو المجتمعات ذات التوجه الكونفوشيوسي مثل الصين واليابان وكوريا وغيرها، فكان للكاتب الأميركي أطروحته الشهيرة «صدام الحضارات»، وقدم صموئيل هنتنغتون محاذيره وتحليلاته كيف أن هذا المشهد هو الذي سيحدد مسارات السياسات والخلافات والصدامات للحقبة القادمة. نعيش في عالم أكثر تعقيدا ولا شك.. عالم تحكمه قواعد وشروط، عالم يعيش لإحياء الأرض وعالم يفكر في الموت، هناك أيضا من يفكر بعقلية المنتصر وينظر لغيره بعقلية المهزوم، وعالم لا يعيش إلا تحت أطلال الماضي ويرفض أن ينخرط في البحث عن طريق له للمستقبل. هناك عالم «غطس» في مستنقع المؤامرة ووجد فيها ضالته لأنها وبكبسة زر يجد فيها الإجابة عن كل ضالته تماما. هناك عالم رضي أن «ينعزل» تماما عن سائر البقية من الناس ويشكل لنفسه «حالة» خاصة جدا من العادات والطباع والمواصفات، وتحول بالتالي إلى جزيرة منفصلة له رأي خاص في كل مسألة وأصبح مثل كوريا الشمالية. قرأت أخبارا من عوالم الغرب مثل: السويد قررت استيراد نفايات من بلاد أخرى نظرا لعدم وجود نفايات لديها بالقدر الكافي مما يعطل المصانع والمعامل لديها التي تعتمد على فكرة إعادة تدوير النفايات لاستخراج الجديد منها، وهناك خبر آخر من النرويج التي قررت إغلاق بعض السجون فيها لأنها لم يعد لديها عدد كاف من المساجين. لم يعد من الممكن الاستمرار في فكرة الترويج بأنهم على خطأ ونحن على صواب، فالمساجد مكتظة بالمصلين والعبادات بلا توقف، وكما يتم تقديس أحاديث موضوعة ومشكوك في صحتها لأجل أهداف اجتماعية وعرقية وعنصرية في بعض الأحيان، يتم إهمال إبراز أقوال مثل النظافة من الإيمان، والعمل عبادة والظلم ظلمات وغيرها من الأقوال المهمة جدا والآتية من نفس المصدر النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة وأتم السلام، فطغت العبادات على المعاملات ونسينا أن كل ذكر في القرآن الكريم ربط الإيمان دوما بالعمل الصالح. حضرت سؤالا لمسلم جديد من النمسا يسأل أحد الدعاة كيف يطلب مني الدين أن أبر والدي وهما مسيحيان ويجيز لي أن آكل من طعامهما وأن أتزوج من أقاربهما أو أصحابهما أو معارفهما وفي نفس الوقت يمنعني من أن أهنئهما بأعيادهما؟ ابتسم الداعية وقال له: هذا ليس رأي الدين، هذا رأي بعض رجال الدين. التشنج باسم الدين تارة وباسم الوطنية تارة أخرى يخرج عنصرية فاشية عصبية جاهلية متطرفة لن يأتي من ورائها أي نوع من أنواع الخير، وليست المشاهد التي نراها أمامنا إلا تأكيدا لذلك.. ونبقى أسرى المشهد حتى تأتي يقظة كبرى.