×
محافظة المنطقة الشرقية

ولي العهد يلقي الخطاب الملكي السنوي في مجلس الشورى

صورة الخبر

لقد واعدت الزملاء معدي قسم الرأي، في صحيفتنا الغراء "الوطن"، بأنني لن أرسل لهم مقال هذا الأسبوع بسبب صرامة التضييق التي يفرضونها أحيانا علينا ككتاب رأي. ولكن حادثة خروج فضيلة الشيخ الدكتور أحمد بن قاسم الغامدي وكريمته الفاضلة جواهر بنت الشيخ علي، كضيفين كريمين على برنامج الزميلة الإعلامية المتميزة بدرية البشر على قناة الـMBC، الذي كان موضوع حوار الحلقة يدور حول جواز كشف المرأة لوجهها من عدمه حسب الفقه الإسلامي، وأحدثت ردود فعل غير طبيعية، مبالغ فيها لدرجة التشنج والخروج عن أدب الاختلاف، حتى ممن كنا ننتظر منهم أن يكونوا قدوة لغيرهم، في أدب الحوار، كما ورد في الدين والشريعة وهم من أكده وقعده لنا. كل ذلك اضطرني للعدول عن تهديدي وكتابة وإرسال هذا المقال. حيث أهمية الموضوع ترقى على أهمية العتب أو حتى الاختلاف في الرأي بين الزملاء. وعليه فلن أتحدث هنا عن موضوع جواز أو عدم جواز كشف وجه المرأة في الفقه الإسلامي، إذ هذا ليس تخصصي، مع الاحتفاظ بحقي أن أرجح هذا الرأي أو ذاك وإعلانه. كما أن الموضوع لا يغري الكتابة عنه، إذ إنه نوقش وشبه قتل نقاشا وحوارا منذ عشرات القرون. ولم يكن آخرها الجدل الذي دار حول الموضع بين العلامتين ابن باز والألباني، رحمهما الله؛ الذي لم يثر جدلهما أي ردات فعل أو تشنجات كما شاهدنا بعد ظهور الشيخ الغامدي وزوجته الكريمة، في برنامج لم يتعد أكثر من ربع ساعة. كما أنني لن أتباكى على أدب الحوار والنقاش الذي فقدناه، إذ إنه من وجهة نظري، أننا لم نمتلكه أصلا حتى نتباكى على فقده، مع وجود جدل حضاري جرى بين بعض العلماء المسلمين حول بعض المسائل الفقهية ـ ولا أقول العقدية ـ الذي يعد طارئا على ثقافتنا وليس قاعدة. ولكنني كعامل في المجال الفكري، وخاصة أسباب وكيفية تشكل الأفكار ومحاولة سبر أساساته في ثقافة المجتمع، سأتناول الموضوع من هذه الزاوية، زاوية سبر ورصد أسباب ردات الفعل غير الطبيعية على ظهور الشيخ الغامدي وزوجته الفاضلة جواهر، وهي كاشفة وجهها الكريم. حتى على الأقل يفهم بعضنا ماذا نفعل؟ ولماذا نفعل؟ ولماذا لا نفعل؟ وعلى أي أساسات وقواعد نبني فعلنا وردات فعلنا. وفي المحصلة لماذا وكيف تشكلت ثقافتنا؟ لنحسن التعامل معها، في القضاء على سلبياتها إن أمكن، وتعزيز ودعم إيجابياتها وتطويرها ليعم نفعها الجميع وتكون رمزا فاعلا في هويتنا وسببا من أسباب تقدمنا ورقينا. ولإيصال مفهوم كلمة أخلاقيات التي أوردتها في عنوان المقال، لا بد من إحضار مفهوم كلمات مرادفة أو قريبة أو مقابلة لها. وسأختار هنا كلمة أخلاق القريبة منها لفظا ودلالة، والتعريف بمفهومها من أجل إيضاح مفهوم كلمة أخلاقيات، التي ليس بالضرورة أنها مطابقة لمفهوم كلمة أخلاق، بل قد تكون مناقضة لها. أي أن أخلاق وأخلاقيات مفردتان قد تتقاطعان في بعض معانيهما ولكنهما قد تتضادان أيضا في بعضها. الأخلاق هي منظومة قيم تعرف عليها الإنسان باعتبارها جالبة للخير وطاردة للشر؛ وطالب عقلاء البشر، جميع البشر بالتخلق بها، من أجل صالح الفرد والجماعة. ولا يمكن أن نورد خلقا سيئا أو غير نبيل وندرجه ضمن الأخلاق، فالأخلاق لا يختلف على صحتها ووجوب التمسك بها ونفعها اثنان سويان. والأخلاق بشكل عام، هي التي حثت عليها جميع الأديان والعقائد الإنسانية السوية، عبر التاريخ كله، مثل العدل والمساواة والحرية والصدق والأمانة وعدم القتل أو السرقة وما شابه ذلك من تصرفات إنسانية نبيلة؛ تعود بالخير للفرد وللأمة وللبشرية جمعاء. والأخلاقيات؛ هي منظومة من الأداب والقيم التي تعدّ صوابا ونفعية بين أصحاب مهنة محددة. أي بأن لأصحاب كل مهنة قيما، أسموها أخلاقيات المهنة، حثوا أصحاب المهنة على التمسك بها، لصالح وخير المهنة والعاملين بها. وكل مهنة في الدنيا لها أخلاقياتها النفعية التي تفرزها ممارسة المهنة نفسها وتجلب الخير لممارسيها. في اللغة الإنجليزية هنالك فرق بين كلمتي أخلاق Morals، وأخلاقيات Ethics، أي أن هنالك فرقا واضحا بين كلمتي أخلاق وأخلاقيات في الكتابة والنطق، وعليه يسهل التفريق بينهما. أما في اللغة العربية فهنالك تشابه كبير بين كلمتي أخلاق وأخلاقيات، كتابة ولفظا، وعليه يصعب التفريق بينهما، وعليه يتم الخلط بينهما. الأخلاق قيم إنسانية نبيلة يصل إليها الإنسان عن طريق الممارسة والبناء الحضاري وبتنسيق بين المهن المتنوعة، التي تبني فوقها سماء من أخلاق إنسانية مشتركة تعلو على سماء أخلاقيات كل مهنة. وتستغرق عملية تأسيس الأخلاق في المجتمعات وتثبيتها كقيم مشتركة قرونا من البناء والتحضر التدريجي، حتى تستقر في النهاية كثقافة تنطلق منها وإليها أفعالهم وردود أفعالهم بشكل عام، وعليه ترسم عليها قوانينهم ودساتيرهم. كما أن الأخلاقيات هي قيم مهنية، وليس بالضرورة إنسانية، كالأخلاق، التي تتشكل عن طريق ممارسة وكسب المهنة نفسها. ومن الضروري ألا تعمم أخلاقيات مهنة معينة على المجتمع، وتحل محل الأخلاق بدلا عنها، وإلا أدت إلى كارثة إنسانية وأخلاقية، يصعب التخلص منها، فضلا عن سبر أغوار خفاياها. فمثلا من أخلاقيات مهنة الطب، أنه لا يجوز لأي من الطاقم الطبي المشارك في غرفة العلميات؛ الإبلاغ عن أي خطأ طبي يقع فيه الجراح، ولو أدى ذلك إلى وفاة المريض. ومن يفعل ذلك فلن يسمح له أي جراح آخر بالدخول معه لغرفة العمليات، وعليه سيقضي على مستقبله الطبي، بسبب خرقة أخلاقيات المهنة. أي أن الأخلاقيات؛ قد تكون مضادة للأخلاق. قبل الإسلام بعشرات القرون؛ عمل أكثر من 95% من العرب في مهنة الرعي، ولذلك فقد تمكنت منهم أخلاقيات مهنة الرعي، أو أخلاقيات الرعاة التي منها على سبيل المثال: عدم جواز سرقة مواش لأي راع ضمن القبيلة واعتبار ذلك عيبا، وقد يؤدي ذلك إلى طرد لص الماشية من القبيلة أو قطع يده. أما إذا هجم وسرق ماشية تتبع قبيلة أخرى وأحضرها لقبيلته؛ فيعدّ ذلك بطولة وفروسية قد تؤهله لمشيخة القبيلة، وهكذا. وبما أن الدولة العربية الإسلامية الأولى من 1ـ41هـ، قامت وتوسعت في ظرف عقود قليلة وأصبحت إمبراطورية مترامية الأطراف بسرعة، لم يسعفها الوقت لتكوين منظومة أخلاق عامة مشتركة، وعليه استعانوا بدل ذلك بأخلاقيات الرعاة التي يعرفونها أكثر من غيرها، وعليه عمموها على الجميع ليس فقط كأخلاق ولكن حتى كدين، واختزلوا مذاهبهم فيها وحولها؛ برغم أن الإسلام حمل قيما أخلاقية إنسانية واضحة وجلية. الفتاة الصحراوية؛ وليست الجبلية؛ عاملة لا غنى عنها في مهنة الرعي، ولذلك أحاطوها بسياج من اللباس والأخلاقيات لا تخرج عنها. الشيخ الغامدي، اخترق هذا السياج وبجسارة بإظهاره زوجته كاشفة الوجه، وهو المفترض منه أن يلتزم ويروج لثبات هذه الأخلاقيات أكثر من غيره. وعليه تلقى هجوما كاسحا وشرسا وغير أخلاقي، من حماة ودهاقنة أخلاقيات الرعاة "سلوم العرب"، ولو باسم الدين والأخلاق.