هل نحن شعب عاطفي, ونبني أحكامنا على العاطفة أم على العقل؟ هل نتعامل مع الازمات والكوارث بحكمة العقل ام بحكم العاطفة؟ اعتقد إلى حد ما نعم، والدليل اننا مع اغلب المشاكل نتكئ على الجانب العاطفي دون ان نكلف انفسنا بتحليل جذور المشكلة، مسبباتها, دواعيها, وكيف السبيل لتجفيف منبعها حتى لا تتكرر مستقبلا! اساس مشكلة حوادث المعلمات، ليس في ندرة الوظائف بل في تقبل المجتمع لنوعيتها لذا اصبح التعليم والتمريض هما الوظائف السائدة في البلد مما نتج عنه الانتظار بالمئات ان لم يكن بالآلاف من الخريجات ممن ينتظرن بفارغ الصبر التعيين حتى وإن بعدت المسافات وزادت المشقة، وكل معلمة يتم قبولها في منطقة نائية تبحث عن وسيلة نقل، وغالبا وسائل النقل الخاصة تفتقد أصول السلامة, للاسف الشديد لا المركبة ولا قائدها تنطبق عليهما شروط السلامة! من هنا تبدأ المأساة مع تعيين المعلمة في مدينة او قرية او ضاحية تبعد عن سكنها 200 او 300 كيلو متر ما معناه انها سوف تقطع يوميا ذهابا وإيابا مسافة لا تقل عن 500 كم, ولكم ان تتخيلوا كم ساعة ستقضيها المعلمة في الطريق في مركبة ينقصها الكثير من أمور السلامة وعند وصولها للمدرسة يا ترى كيف سيكون حالها؟ وهل ما زال في مقدورها ان تؤدي عملها كما ينبغي بعد رحلة عناء؟ ومع نهاية الدوام يبدأ الفصل الثاني من مسلسل العناء في طريق العودة.صحيح ان حوادث الطرق لدينا تقطع القلب ومنظر الاشلاء والدماء مختلط بحديد المركبات يزيد من لوعة الالم، ما يزيد الطين بلة أن الصحافة لم تفلح في تغطية الحوادث بحرفية بحيث تذكر الاسباب الحقيقية وراء كل حادث, وهل قرأتم في اي صحيفة مثل هذا التحقيق مثلا، (هل كان قائد المركبة متقيدا بالسرعة المحددة؟, هل كانت المركبة بحالة جيدة, إطاراتها (الكوابح) وهل كان رابطا حزام الامان؟ وهل كان مجهدا.. الخ). بل بالعكس نجدهم (يبهرون) الخبر حتى يغلب عليه التشويق والاثارة فتجد صورة (تحضير) المعلمة ملطخا بالدماء بجانب المعلمة (الضحية) وبقايا كتب طالبات وفي اعلى الخبر بالخط العريض عنوان تأليب موجه اصابع الاتهام هنا وهناك كقولهم, متى تصحى وزارة التربية والتعليم واين وزارة النقل والطرق والمرور من هذه المذابح الشنيعة على الطرقات, بعض القنوات الخاصة اشتهرت ببرامج تدغدغ العواطف مع كل مشكلة داخلية، لا نستبعد تسارعا في استضافة والد المعلمة المتوفاة وزوجها وربما ابنائها حتى تجعل المشاهد يعتصر قلبه الما وعيناه تذرف دمعا ودما وكأن لسان حال هذه القناة يقول, لوزارة التعليم, والطرق والنقل والمرور انتم من قتل المعلمات، وشتان بين من يبكي على مصائبنا ومن يتباكى. لو افترضنا ان المركبة سليمة، ماذا عن السائق، هل هو مؤهل نفسيا للقيادة وهل اخذ كفايته من النوم، وعند وصوله للمدرسة, هل نتوقع منه ان يعود للمدينة ام الى عمله ان كان لديه عمل؟, غالبا من يقطع مئات الكيلومترات لن يعود بل سينتظر حتى نهاية الدوام لانه غالبا ما يكون سائقا اجنبيا او موظفا متقاعدا، السؤال هنا اين سيقضي وقت الانتظار؟ لا نتوقع انه سيبحث عن سكن كي يرتاح فيه فترة الانتظار, لان مبلغ التوصيل لا يكفي للبحث عن سكن او غرفة مؤقتة, الحل معروف، سوف يمكث الساعات الطويلة في السيارة، يا ترى كيف ستكون نفسية السائق مع هذه الساعات الطويلة وكيف ستكون قوة تركيزه وانتباهه على الطريق؟ لا بد من ايجاد الحلول بالتعاون مع الادارات والوزارات المعنية. على المرور ان يعيد حساباته في استخراج الرخصة, وبالتشديد في عدم السماح للمركبات المعطوبة, ايضا وزارة التعليم غير معفاة مما يحدث بل ساهمت بقصد او بدون قصد فيما وصل إليه الحال، يجب عدم تعيين اي معلمة يبعد مقر اقامتها عن مدرستها ما يزيد على 100كم والحل في تعيين معلمات من بنات القبيلة او القرية. اخيرا ايجاد وسائل نقل عامة محترمة بحيث يكون هناك سائقون يعملون على شكل نوبات, وهذا سوف يحد من التهور والارتجالية التي يقوم بها سائق اجنبي او سعودي متقاعد او عاطل ووجد في التوصيل ضالته على حساب صحته وحياة المعلمات.