×
محافظة المنطقة الشرقية

مشاريع تنموية تنتظر التخطيط ومساندة المقاولين

صورة الخبر

سعود الريس لا يمكن للزمان أن يعود إلى الوراء، لكن لو كُتبتْ له العودة مجدداً استثناءً لا أتوقع أن تلك الحشود التي نزلت إلى الشوارع في بعض الدول العربية، مطالبةً بإسقاط حكامها، أن تنزل مرة أخرى أو أن تقوم بعمل مماثل، فالنتائج الكارثية التي خلفتها لا يمكن لعاقل أن يباركها، إلا إن كان به مسٌّ من الجنون. المشهد بالإمكان قراءته من زاويتين مهمتين، الأولى هم الحكام الذين خرجت تلك الحشود تطالب برؤوسهم، فهؤلاء الذين خدعونا بمحاربة العدو وبأهمية الإنفاق على التسلح والدفاع عن المقدسات وبصراخهم على المواطنة؛ لدرجة أننا نبيت ونحن نردد شعاراتهم، اكتشفنا مع أول اختبار أن العدو هو المواطن إذا أراد أن يقول رأيه أو يطالب بحقوقه، وأن التسليح الذي أُنفقت عليه معظم موازنات الدول العربية لم يكن لحماية تلك الدول من الأطماع الخارجية؛ لعدم وجود عدو حقيقي في الخارج. هذه الجزئية ليست خافية على أحد، لكن الأهم هنا أن نجاح تلك الأنظمة تلخص في تجويف أي معارَضة لهم في الداخل أو الخارج، والأمثلة على ذلك كثيرة، فمصر على سبيل المثال، عاشت فراغاً كبيراً لعدم وجود رجل أو حزب مؤهل لخلافة نظام مبارك، واكتشفنا أن المعارضة المزعومة آنذاك لم تكن سوى «جعجعة» فارغة سقطت عندما جاء اختبارها لنكتشف أنها لا تملك أي مشروع سياسي، وبخلاف مصر هناك ليبيا على سبيل المثال، تونس، اليمن، سورية، العراق في جانب كبير منه، جميعهم تنطبق عليهم الحال. لننظر إلى سورية، فلم يكن أحد بمن فيهم الأسد نفسه يتخيل في يوم من الأيام أن يخرج السوريون عليه وعلى استبداده، فالبلاد كانت رهينة بأيدي المخابرات؛ لدرجة أنه لا يجرؤ أحد على انتقاد النظام أو والده، لكن تم الخروج وشاهدنا المعارضة، وعلى رغم أنها تعاني من أشد الأنظمة قمعاً، لم يكن لديها أي مشروع سياسي أيضاً، بل حتى اليوم لم يتم العثور على من يقود البلاد فيما لو رحل الأسد، ناهيك عن الخلافات التي مزقت تلك المعارضة التي كان ينبغي لها التفكير في أمر واحد فقط، وهو إسقاط الأسد، لكنها عوضاً عن ذلك تركته في مدينته وبيته، وذهبت إلى أقاصي البلاد، وهو ما شتتهم وأضعفهم. ذلك من جانب، أما من جانب آخر فهو أولئك الذين هبوا لإسقاط الأنظمة، وبعيداً عن استغلالهم والتزيين لهم والمؤامرات التي كانت تحاك، إلا أن تلك الجموع استُدرجت لتقف في الميادين، لا شك أن العاطفة -وأحياناً حب التغيير- كانت تقود غالبيتهم، لذلك فكروا وبكل سذاجة أن قضيتهم تكمن في من يحتل كرسي الرئاسة، وأن إسقاطه كفيل بحل الأزمات التي يعيشونها، لذلك هبوا جميعهم يفكرون في يومهم فقط. نجحوا في ذلك اليوم، وخرجت التبريكات من كل ركن في العالم العربي تارة، واحتجاج تارة أخرى، وعمت السذاجة الكثيرين في العالم العربي، لدرجة أن بعضهم سافر ليرقص في تلك الميادين ويحتفل بإسقاط نظام هنا أو مقتل رئيس هناك. لكن تلك الاحتفالات لم تدم طويلاً ليكتشف أولئك المجتمعون أنهم ألقوا ببلادهم في الهاوية، واكتشف بعضهم أنهم كانوا أدوات للغير ممن استغلُّوهم وقوداً لإشعال تلك الثورات المزعومة، لكن على رغم ذلك فسنختلف كثيراً حول ما حدث، وسنبقى لأجيال متشنجين ما بين مؤيد ومعارض ومحايد، لكن الأكيد أننا نعيش في مرحلة أقل ما يمكن أن نطلق عليها، أنها مرحلة البكاء على الطغاة والمستبدين، فالدموع والذكريات هي كل ما تبقى لمن يتوق إلى العودة من عمله ليجد أطفاله يعبثون بألعابهم وزوجته بانتظاره، وقد يخرج معهم في نزهة أو زيارة، فمثل هذا الأمر بات اليوم من المستحيلات؛ جراء ما تشهده تلك الدول. على الجانب الآخر، ما حدث في تلك الدول لم يقتصر عليها بالطبع، فما شهدناه في تلك الدول شكَّل عبئاً على دولة واحدة باتت وحيدة في الشرق الأوسط، وعليها أن تتحمل تبعات انهيار الأنظمة العربية والمؤامرات التي تحاك والأطماع التي تداعب مخيلاتهم وحدها، بطبيعة الحال أتحدث عن السعودية، فبعد سقوط العراق، ودخول سورية في حرب إبادة يشنها النظام على مواطنيه، وسقوط النظام في مصر وما خلفه من فراغ في العالم العربي والإسلامي. جميع تلك الأحداث تسببت بهزة عنيفة للسياسة الخارجية السعودية، لم تكن لتتجاوزها لولا كفاءتُها، إذ وجدت نفسها وحيدة في مواجهة أطماع إسرائيلية-فارسية-تركية، يدعمها مشروع غربي، وأميركي تحديداً، مستخدماً أدوات محلية الصنع، وهذا من حسن الطالع، فتلك الأدوات كانت كـ «المولوتوف»، ضررها محدود وكثيراً، وهو ما أحرق يد صانعها أو من أراد قذفها. عموماً، هذا ليس موضوعنا، فالموضوع هنا أن السياسة الخارجية للسعودية تمكنت من التعاطي مع المأزق العربي المهدِّد للمنطقة برمتها بكل اقتدار، وما كان لي لأتمكن من كتابة ما أكتبه الآن، فهذه البلاد كانت جزءاً من مخطط لا يختلف كثيراً لولا الصياغة المحكمة لتلك السياسة التي عمدت إلى احتواء ما يجري في العالم العربي، ومن ثم إعادة دفعه إلى المسار الصحيح، ليتجسد هنا عظم مسؤولية قيادة عالم ينهار، دولةً تلو أخرى، وحماية شعوب يُقتل فيها من يُقتل ويُشرد من يُشرد. قد لا أكون مبالغاً إذا قلت إن السياسة السعودية لم تكتف بإنقاذ نفسها مما يحاك ضدها، بل أنقذت المنطقة بأسرها من فوضى لا تختلف كثيراً عما نشهده في سورية وليبيا، لكن كيف رسمت تلك السياسة؟ وما المعايير التي اعتمد عليها؟ هذا هو ما نحن بحاجة إليه ولتوثيقه، ولاسيما أن بعضنا لا يمكنه النظر أبعد من «أرنبة أنفه».