ذكرت في مقالة الأسبوع الماضي إن خطيئة الاسم أخفت حقيقة الشيء. فاسم الربيع العربي لا يصف بشكل أمين حقيقة الأحداث التي تدور في العالم العربي. فضلا عما يوحي به الاسم من نعومة وبهجة لا تصف الفخ الذي وقع فيه السياسي. وعودة الثورة المصرية في يونيو الفائت يدل إن ما يجري من أحداث ينطبق عليه اسم اللهيب العربي. واللهيب العربي ترى وميضه تحت الأنقاض حتى تهب رياح التغيير فيعلق في الأنظمة المتخشبة غير القادرة على الرؤية والحلم. فهل انخدع الإخوان المسلمون باسم الربيع العربي، وظنوه ربيعا جميلا مر مِر السحابة؟ فربما ظن السياسي أن السير في مرحلة ما بعد الربيع العربي كالسير في حديقة عامة لها سماء منخفضة من الغيوم البيضاء المتقطعة. لكن ما أثبتته التجربة إن الفكر السياسي عند الإخوان متخشب أيضا، فلم يمهله اللهيب العربي حتى اشتعل فيه مجددا. ومن يستمع إلى الشركاء السياسيين-الذين لم يجدوا مساحة للمشاركة-في المشهد السياسي المصري من الأحزاب الأخرى سيرى إن وميض هذا اللهيب كان يتوقد منذ زمن. يبدو إن هذا اللهيب لن يقبل بالوجوه القديمة. الأنظمة التي تخشبت، سواء كانت من السلطة أو المعارضة، سيُقضى عليها لأنها لا تقدم حلولا للمشكلات. بل إن النظام الجديد/القديم الذي جاءت به الثورة خلق مشكلات جديدة على مستوى الممارسة الديموقراطية. واتضح-لي على الأقل-إن الرأي العام شُحن بفكرة الديموقراطية مختزلة في تداول السلطة. أما ما يلي ذلك من مبادئ كالمشاركة السياسية وحقوق حزب الأقلية وعمليات صنع القرار بين سلطات الدولة الكبرى الرئاسة والبرلمان والقضاء، تعيش في غيبوبة كبرى. كيف للديموقراطية، التي اختلفنا حول كتابة اسمها أكثر من مرة، أن تولد من رحم الديكتاتورية؟ الدكتاتورية ليست ملاءة ألقيت على كرسي الديموقراطية، وما علينا سوى أن ننزعها بلطف، أو نمزقها إربا إربا. هكذا يبدو إن الديموقراطية كانت في ذهن الكثير، كرة في منتصف الملعب، ما أن تنطلق الصفارة تبدأ الكرة بالحركة. لكن الأمر ليس هينا، فالديموقراطية ليست قطعة من الكعك. يصلح قول الشاعر العربي: الرأي قبل شجاعة الشجعان، بيانا للديموقراطية ومن يمارسها. فالرأي هو مادة الديموقراطية. ويقابله الاستبداد به. فالأنفة عن قبول النصيحة، أو الاستقلال في الرأي وفي الحقوق المشتركة، كما يقول الكواكبي، هو الاستبداد المطلق من الحكومات. لذلك، لا تصلح الديموقراطية في من تغلبهم شهوة السلطة والإعجاب بالرأي. ولا تصلح الديموقراطية لمن يتشبب على المنابر، فيطربه صدى صوته، لا كما قال عبدالملك بن مروان: شيبتني المنابر. ما هوية الشكل؟ وهل يكفي الشكل ليتحرك المضمون فيه؟ الأنظمة العربية الجمهورية مارست لعبة الشكل والمضمون أكثر من خمسين سنة، كان شكل الديموقراطية ثابتا ومضمونه فارغا. أليس من الأجدى أن تقلب المعادلة، أن يفكك الشكل ليقوم المضمون بتشكيل نفسه بحرية ما؟ إذا أردنا أن نخلص الديموقراطية من وهم الشكل المؤسسي وأن نمتلك مضمونه الذي يقوم على الرأي والشورى، علينا أن نعدل بيت شوقي: وللحرية الحمراء باب/ بكل يد مضرجة يدقُ، ونكتب: وللحرية الخضراء باب/ بكل يد من الشورى يدقُ