حين اكتشفت ذات يوم أنه كي أحظى بتقييم مرتفع فإنه يتحتم عليّ أن أقبل القيام بإنجاز عمل ستكون له نتائج سيئة على الآخرين، صرخ شيء في داخلي "افعلي ما يجب عليك فعله" ولم يستغرق مني الأمر واتخاذ القرار سوى بضع ثوان، دون أن أعبأ بما سينتظرني من تداعيات لرفضي هذا الأمر. كثيرون يتجاهلون هذا الصوت الذي يصرخ في داخلهم لحظة اتخاذهم قراراً يخالف ما يؤمنون ويقتنعون به - "افعل ما يجب عليك فعله" - وهذا سر ندمهم فيما بعد، لأنهم لم يكونوا صادقين مع أنفسهم، فهم فكروا حينها في المردود المادي أو التقييم المعنوي أو الترقية التي تنتظرهم، لكنهم في المقابل تناسوا تقييمهم لذاتهم الذي سينخفض لأدنى درجاته وسيظلون يعانون وخز الضمير طوال حياتهم، خاصة ليلاً حين يضعون رؤوسهم فوق وسائدهم! حين يصرخ بك ذلك الصوت من أعماقك فاستمع له جيداً وأصغِ إليه، لأنه ببساطة هو صوت ضميرك يخبرك بأنك على وشك ارتكاب حماقة. أذكر ذات يوم اتصلت بي إحدى الموظفات بنبرة مرتجفة، وبمجرد أن سمعت صوتها أدركت أنها ترزح تحت صراع نفسي، أخبرتني أنها تعمل في قطاع مهم، وأن مديرها في الشركة طلب منها أن تقوم بتغيير تواريخ معينة في معاملة تحت يدها، وحين رفضت هددها بنقلها إلى مكان لا يرضي طموحها، وأنه يضغط عليها بشكل شبه يومي لترضخ لما يطلبه، وسألتني ماذا أفعل؟ قلت لها: "افعلي ما يجب عليك فعله" قالت: أنا أشعر بصراع كبير في أعماقي بين ما يجب عليّ فعله وبين ما أرغب في أن أحصل عليه، قلت لها: افعلي ما تؤمنين بأنه سيجلب لك الراحة ويقضي على هذا الصراع في داخلك، وأنا واثقة بأن اختيارك سيكون صائباً، توكلي على الله واستعيني به. بعد فترة اتصلت بي ومن نبرة صوتها هذه المرة أحسست بمدى الارتياح الذي تشعر به، بادرتني قائلة: لقد فعلت ما كان يجب عليّ فعله من فضل الله تعالى، فلا شيء يستحق أن نخسر مبادئنا وضمائرنا من أجله، فكل منجزات الحياة ستصبح مجرد أكذوبة لا قيمة لها حين نضع رؤوسنا فوق الوسادة ليلاً، أو نقف وجها لوجه أمام الله في صلاتنا، أو حين نتخيل صحائفنا تُقرأ على الملأ يوم الحساب، فحينها إن لم نكن قد فعلنا ما كان يجب علينا فعله فستكون الخسارة فادحة جدا، والثمن أكبر بكثير مما كنا نتوقع!