كثير من المهن في مصر تبقى متوارية عن الأضواء لا يعلم عنها شيئًا إلا أصحابها والمنتفعون منها، ومنها مهنة "حلاق الحمير" التي تمثل أهمية خاصة للفلاحين الذين يعتمدون على الحمار بالكثير من أعمالهم. إلا أنها تكاد تحتضر بتطور وسائل النقل. "رغم الكثير من الصعاب التي أواجهها جراء العمل كحلاق للحمير لكنها مهنة شريفة وأكسب منها رزقي" هكذا يُعبّر صابر محمد الذي يعمل حلاقا للحمير بإحدى قرى محافظة دمياط شمال القاهرة، عن رضاه بمهنته. طيلة عشرين عاما، يخرج محمد للعمل ممسكا بمقص الحلاقة وحبل -يستخدمه أحيانا لربط أرجل الحمار خلال الحلاقة- ليمارس مهنته التي يعيش هو وأسرته من دخلها. والحلاقة للحمير لم تعد مهنة رائجة في ريف مصر، فانحصر اعتماد فلاحين وأصحاب عربات الكارو على الحمار كوسيلة للانتقال بين البيت ومكان العمل، أو نقل مستلزمات الزراعة، وأصبح استخدام الدراجة النارية أكثر رواجا، وفق محمد. وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن هناك اتجاها للاستغناء عن الحمار كوسيلة لمساعدة الفلاح في الحقل، مرجعا السبب إلى التطور الذي يفرضه العصر الذي نعيشه فضلا عن السرعة التي توفرها الدراجات البخارية. وأوضح محمد أن مهنته تحتاج إلى مهارات، أهمها القدرة على استيعاب خوف الحمار من مقص الحلاق، لذلك لا بد من ملامسته برفق. ولا يقتصر حلاق الحمير في ممارسة مهنته على القرية أو المنطقة التي يعيش بها فقط، بل يمتد عمله إلى المناطق المجاورة. وأكد محمد أنه يذهب للقرى القريبة منه كي يبحث عن رزقه، خاصة وأن مقابل الحلاقة للحمار لا تتجاوز الثلاثين جنيها. ويبدو المقابل المادي للحلاق بخسا بالنظر إلى تناقص الإقبال على استخدام الحمير، فضلا عن أن الحمار لا يحتاج لقص شعره سوى ثلاث مرات في السنة، وفق قول محمد الذي أردف "صاحب الحمار يفضل عدم الحلاقة خلال فصول الشتاء نظرا لبرودة الطقس على جلد الحمار". ومصاعب مهنة الحلاقة للحمير كثيرة -وفق محمد- فالتعرض إلى هجوم من حيوان آخر أمر غير مستبعد أثناء الحلاقة، خاصة في حال عدم وجود صاحب الحمار خلال عملية الحلق. وكذلك فإن المهنة نفسها لا تلقى قبولا اجتماعيا، خاصة خارج المجتمع الريفي، وتكون مادة للتندر بين كثيرين، كما يعتقد محمد. أطفال يعملون بنقل البضائع والأشخاص على عربة يجرها حمار (الجزيرة) مهنة مهمة أما صبحي حسين (مزارع) فقال إن الحلاقة للحمار أمر مهم خاصة في فصل الصيف لتخفيف حرارة الطقس عن الحمار. وأضاف للجزيرة نت أنه اعتاد الحلاقة لحماره لدى حلاق معين بالقرية التي يعيش بها، وتابع "الحمار يعتاد على حلاق بعينه، تماما كما يعتاد على طريق الحقل، فإذا ما غيرته أحس بالخوف فيجري هاربا إذا ما رأى المقص". والحلاقة للحمير استحدثت "تقاليع" جديدة وفق حسين، فالبعض من أصحاب الحمير يطلبون من الحلاق "قصة" معينة، وآخرون يكتبون أسماءهم على الحيوانات. وعن ركود مهنة الحلاقة للحمير بسبب نقص الإقبال على شراء هذا الحيوان، أكد المزارع أن المسألة تختلف من منطقة لأخرى ولا يمكن التعميم. ويتذكر حسين صديقه الذي اشترى دراجة نارية بديلا عن الحمار، وتركها بجوار الحقل لحين الانتهاء من قطف المحصول، لكنه عندما عاد اكتشف أن دراجته قد سُرقت. وتابع حديثه "اضطر صديقي لشراء حمار آخر بعد سرقة دراجته، ولكن تلك المرة اشترى بغلاحيث يتميز بالسرعة والقوة".