×
محافظة المنطقة الشرقية

ندوة تبحث دور الشباب في السلامة المرورية

صورة الخبر

في الشعر يتغير إيقاع الحياة، فهو ينبثق من الماضي مثل زهرة تحتويه، الشعر هو نهر وشروق شمس وغروبها أيضاً، ومن خلال الإبداع كأنه ولادة من المهد إلى اللحد من الطفولة إلى الكهولة ومن الصباح إلى المساء، والشعر، هو رمز للعلاقة القائمة بين الزمان والأبدية، بل بين الحياة والموت بين الحركة والسكون، بين الوجود والعدم، لعل الشعر يشبه قصيدة كلود ديبوس السيمفونية التي تحمل عنوان: «من الفجر حتى الظهر على البحر»، إن انعكاسات الشمس على صفحة المياه تقيس دوماً من حياة الإنسان والعالم، وتقدمها إلى السماء هو بديل عن عقرب الساعة الذي يُشير بكل فترة من النهار إلى مرحلة من مراحل العمر، في الشعر الفصل الأول يبدأ قبل شروق الشمس ويمثل الطفولة الأولى، والفصل الثاني يدور في الضحى ويتوافق مع فترة الشروع في القصيدة، الشعر للشاعر هو وحده ترفع له الشمس النقاب عن وجهها، ويأخذ بها الشعر في الارتفاع إلى الفضاء وتكتمل القصيدة في منتهى ذراها، القصيدة عمر مثل عمر الإنسان طفولة ثم شباب وأخيراً كهولة، هكذا تجنح نحو المغيب وتصبح قصيدة للناس، بل تصبح صورة وأغنية يحفظها الناس عن ظهر قلب. وبما أن الزمن عنصر ذاتي، وبما أن الشخصية تتغير من دون انقطاع، فالشعر مؤلف من لحظات منفصلة تتحدى المنطق، إنه تصوير ينعكس بهذه الفوضى واللامعقولة وأن يرفض الأساليب التقليدية وطرائق عبوديته، ليسجل اللحظة بكاملها، مع أن كل ما تضمنه هذا الشر من أفكار وأحاسيس مختلطة من أحداث ومشاهد ممتزجة، الحياة ليست منظمة متساوقة كما يصورها لنا الروائيون، عكس الشعر الذي هو بالمحصلة الشعور بالعمق يلازمنا مع كل جملة، وفي الشعر نعيش هذه السعادات الخارقة، ولا يمكن له أن يكون مجرد وهم من الأوهام، بل يملك دلالة خاصة، ويُشير إلى وجود أبعاد أخرى تتعدى نطاق الحس، لكن المكانة للشعر والشاعر الخلاق هي التي ترفعنا إليها موسيقاه مع أنبل وأرقى من كل ما توصلنا إليه هو واقع ملموس، وحضور يهبُ الحياة معنى وصدقاً يفتقر إليهما عادة. إن الشعر أشبه بعزف على البيانو والكمان وزقزقة عصافير، بل هو يقين بين الشاعر وقصيدته، لا يستطيعان إلا أن يكونا معاً، خلقهما فنان مبدع لأنها غالباً ما تكون مغلقة في وجه العادي وغير المثقف.. صراع مستمر بين الشاعر وولادة القصيدة يتأوه الأول متشكياً من هجران رفيقته التي تجيبه من الشجرة المجاورة كساحرة لا منظورة، يردد البيانو المنفرد، بعد ذلك، تنهداتها بحنان متعالياً بهديره الثائر حيناً، الهادئ حيناً آخر، المتنوع والمتشابه، المضطرب أو الساكن فوق نبرة الكمان الرقيقة والعنيدة، الكثيفة والجريئة كأمواج مصطخبة يسحرها ويجمدها ضوء القمر. فلا يظنن أحد سهولة كتابة القصيدة، أحياناً تأخذ من وقت الشاعر أياماً وأسابيع، يكتب ويعيد ويغير إلى أن تكتمل لديه، ومع ذلك يظل يشك بأن عليه كتابتها من جديد. في الحقيقة: الشعر نسيج وحده، يملك سحراً خاصاً لا يجد في أي لحن آخر. ويكمن، عادة، في خمس نوطات كما الموسيقى تتكرر اثنتان منها باستمرار في اللازمة.. الموسيقٍى في الشعر أهم من العروض والأوزان والقوافي، إنه استفهام خجول، حيث لا تستطيع أي نفحة ثانية تحل محلها لدرجة أنه يخيل إلينا عندما نقرأ القصيدة أننا أيضاً نسمع موسيقى كأنه من منطقة جبلية نتعرف من خلالها على حدسنا الخاص، حيث نلمح على رأس قمة عالية، وعلى انخفاض مئتي متر تحتنا شبحاً ضئيلاً: فتصبح القصيدة بارعة الحسن تتنزه رافلة بتوهجهاتها الذهبية، متموجة برناتها المعدنية خفيفة ناعمة كفلائل من حرير، تتقدم نحونا فنكتشف هويتها رغم بهارج الزينة، إنها إحدى بنات الجن في أساطير ألف ليلة وليلة، محتجبة عن أنظار الآخرين الذين لا يفقهون في الشعر إلا الوزن والقافية، إنها مرئية فقط بعين النخبة من المثقفين وقراء الشعر. وبين يدي الآن مجموعة شعر بعنوان: «أوبرا الوجع» للشاعر باسكال عسّاف، حيث ينحى الشاعر إلى عالم الماورائيات، وأحاسيس الروح، فيما يبدو بعض الشعر مأخوذاً من عصب النفس وتداعيات الإنسان في الوجود والحياة: «الظلمة غياب الأرق كما الأحلام تسللت أربع ساعات على رؤوس العقارب وأذيالها هربت من بين أصابع يد خفية وتحولت إلى قصة قصيرة تخبرها الجدات الوحيدات للأسرة المرتبة عن زمن كان للحكاية فيه عيون ترتجف من الإصغاء وشفاه تلوك الحسرات عن بطل كان كل الحكاية عاد إلى رشده مقنعاً بالحقد والغيرة الطفولة وردّه مجرّد دملةٍ على خد الأفق». كل الناس يعيشون حياتهم بين المر والحلو، فالحياة هكذا خلقت والإنسان، حيث يكون سيد نفسه، فإنه هو الذي يبني حياته شراً كان أو خيراً، والشاعر باسكال عساف، يدخل في عمق هذه الحياة، حيث تتبلور في نفسه الحكمة والمثالية والتفوق، بل والارتفاع على شراسة الحياة، وأوبرا الوجع، يقدمها الشاعر في أربع أقسام الأولى تحت عنوان: «رباعية الجوع» والثانية تحت عنوان «رباعية الوجع» وهي ثلاثة مقاطع تحت عنوان واحد: «مالي أمشي ولا أصل؟ قال لي: هنا كنت في الأمس التفتُ إلى الوراء أرى مستقبلي عالق في مرآة أكسرها، ينزف صدري وتتشظى عيون الخوف إلى أن يقول: «يحب المحكوم بالإعدام أن يفكر أنه يصطحب جلاده في نزهة عند مجيء صباح اليوم الأخير وأنا، أضع القصيدة على ركبتي وأضربها على قفاها لأنها خرجت عن طاعتي» رنة الحزن تسود هذه المجموعة، كأن العالم كله ينهار أمام رغبة الشاعر أن يقول كلمته، لكن اليأس هو كل شيء والعدم لا أمل فيه: «أنت يا من جحظت عيناه الشعر إغراء إن أكملت القراءة أصبحت شريكاً في قتلي وإن توقفت الآن وطرحت كلماتي جانباً تؤجل موتي إلى قصيدة لاحقة».