×
محافظة المنطقة الشرقية

«نورة» في منزل الغامدي

صورة الخبر

تأمل الأصمعي يوماً غلاماً عليه علامات النباهة فقال له: يا غلام هل يرضيك أن يكون لك مائة ألف دينار وتكون أحمقَ؟ قال لا يا عماه؟ قال ويلك إنها مائة ألف دينار؟ قال أضيعها وأبقى أحمقَ. هذه القصة تقول لنا إن أعظم رأسمال يملكه الإنسان هو عقل راجح، ونفسية طيبة، وراحة بال، وبدن سليم، وعلم يغذي الروح باستمرار، ودخل معتدل يعيش منه ابن آدم، آمنا على نفسه، من مسغبة الجوع ومذلة السؤال. ومن قصة الأصمعي نعرف أن الحماقة لا تعالج بالثروة، بل على العكس الثروة تفسد الطبع، وتدمر السجية، وتحول الفقير إلى مستكبر. كنت أقرأ الحديث أن الغنى ليس عن كثرة العرض بل غنى النفس؛ حتى فتحت لي الفلسفة فهم هذا الجدل، حين قال سقراط إن الغنى هو ليس ما تملك بل ما تستغني عنه، بقدر حاجتك يكون فقرك. ومما أذكر من سيرة المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم أنه أسرع يوماً في الصلاة ثم انصرف بسرعة إلى بيته وعاد؛ فلما سأله الصحابة رضوان الله عليهم، كان جوابه أنه تذكر مالاً في البيت فذهب فتصدق به. وفي سورة الحديد حديث مكرر عن الإنفاق في سبيل الله، وفلسفة القرآن، أن المال ليس لنا بل نحن مستخلفون فيه (مما جعلكم مستخلفين فيه). وفي سورة الحشر حديث جميل عن دورة المال أنه يجب أن لا يحصر في دورته بين أيد قليلة (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم). ومن أعجب ما جاء في القرآن أنه لم يذم المال قط، بل ذكره دوماً على نحو مكرر بكلمة الخير (إن ترك خيراً) (لحب الخير لشديد) (لاستكثرت من الخير). وفي كتاب (أسس علم نفس النجاح) لبراين تريسي من علماء النفس، إن مصادر السعادة ستة؛ وقف عند الرقم أربعة منها، أنها الكفاية من المال وهو أمر نسبي. وفي القرآن آية معبرة جداً أن المال لا يجمع القلوب قط (لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم). وعند الصوفيين يذهب المثل بأن التبر تراب، وبأنهم لا يملكون المال ولا يملكهم المال. وعند فيلسوف فرنسي أن المال خير خادماً وشر سيداً. لكن السؤال هو لماذا يخاف الناس من الفقر؟ والله يقول «الشيطان يعدكم الفقر ويأمر بالفحشاء». والجواب من وجهين؛ فالمال للمجتمع هو الدم الأصفر، مقابل الدم الأحمر في الجسم بدونه موت، ومع تراكمه خطيئة، وهي علة الرأسمالية، وخطيئتها الكبرى ومنه الربا والنظام الربوي وشن الحروب.