×
محافظة المنطقة الشرقية

«هيئة الشرقية»: «وحي الأحساء» مختلط ..ومخالف نظامياً وشرعياً

صورة الخبر

في تفكير إيجابي ومملوء بإسقاط الرغبات على الواقع، من المستطاع القول إن العالم المعاصر يبدو كأنه يعيش زمناً فوّاراً من ابتكارات تخطف العيون وتبهر الأنفاس، خصوصاً تلك التي ظهرت بفضل المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة، ومعظمها حديث تماماً. في المقابل، هناك تشاؤم متصاعد في شأن الابتكار واستمراريته. المفارقة أن تلك السحب المتشائمة تتراكم في الغرب: مهد الابتكارات المبهرة المعاصرة، كما كان مهداً لما سبقها في القرون الأربعة الأخيرة. ففي الغرب، ثمة من يرى بأن آلة الابتكار توقفت أو أنها موشكة على ذلك، خصوصاً في المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة! واستطراداً، يثور نقاش متنامٍ في الغرب والدول المتقدّمة، عن تباطؤ التقدّم في الابتكار والتقنية، وصولاً إلى القول بأنه استنفد كليّاً أو... يكادّ! في البحث عن «الشيء الفعلي» بحسب مواقع علمية غربية متنوّعة، تنفق الحكومات والشركات والجامعات، قرابة 1.5 تريليون دولار سنوياً على البحوث والتطوير، ما يفوق الأزمنة كافة. وعلى رغم إحساس واسع الانتشار بأن الأزمنة المعاصرة تشهد انفجارات متتاليّة في الابتكارات، لكن أياً منها يستطيع التفوّق على ابتكار مفيد في شكل فعلي كالمرحاض. إذ يصلح الأخير نموذجاً عن ابتكار يتداخل فعليّاً مع الحياة اليومية للبشر ومجتمعاتهم، ويدخل إليها عنصراً جديداً تنهض حوله مسارات متنوّعة، تساهم في تغيير المجتمعات وعيشها كليّاً بصورة إيجابية. وعلى غرار تلك المقاربة الواسعة، يمكن النظر إلى العقول التي تألّقت بين أواخر القرن 19 وعشرينات القرن الماضي، مبتكرَةً السيارة والطائرة والتلفون والتلفزيون والتلغراف واللقاح واللاسلكي والكهرباء والصاروخ ومركبة الفضاء والقمر الاصطناعي والرادار ومُضادات الحيويّة وطاقة الذرّة والنظرية النسبية وغيرها. كذلك نجحت تلك العقول في إرساء الأساس العلمي لعلوم كثيرة مثل البيولوجيا والميكروبات والنباتات والجيولوجيا وتطوّر الكائنات وتكوّن القارات وأصل الكرة الأرضيّة ونشأة الكون وغيرها. هل تكرّرت الموجة، أم أن الابتكار المُعاصر أقل من ذلك التألق؟ تأتي إجابات متشائمة في شأن الابتكار المعاصر من مروحة واسعة من المفكرين غرباً، تمتد من أكاديمي أميركي وازِن، هو روبرت غوردن (الذي منح المرحاض موثوقيّة الصمود أمام اختبار الزمن)، إلى بيتر ثايل المستثمر الذي يقف خلف موقع «فايسبوك»! واقتصادياً، لا يمكن إحداث زيادة مستدامة في معدل إنتاج الفرد، وهو مؤشّر أساسي في التنمية، إلا بالاستناد إلى الابتكار. الوجه الآخر ثمة أرقام تؤيّد التشاؤم. إذ تباطأ معدل الزيادة في الأعمار أميركياً منذ ثمانينات القرن الماضي، عما كانه أثناء مطالع القرن عينه. وتباطأت الزيادة في سرعة السفر عما كانته قبل قرن. ولاحظ غوردون، وفق مقال نشرته مجلة الـ»إيكونومست»، أن معدلات الخصوبة عند الذكور ارتفعت بقوة في منتصف القرن التاسع عشر، وتصاعدت في بداية القرن العشرين، واستمرت اندفاعتها إلى سبعينات القرن عينه. وعانت معدّلات الخصوبة ركوداً في ثمانينات القرن الماضي، لكنها ارتفعت قليلاً في تسعيناته (مع صعود العولمة القوي أيام الرئيس بيل كلينتون)، ثم عادت للانخفاض المستمر منذ 2004، مع بداية ظاهرة ما يسمّى «الركود الاقتصادي الطويل الأمد»! في المقابل، ثمة من يعتقد بأن هناك تسرّعاً في كتابة تاريخ الابتكار المعاصر. إذ يتمثّل الإنجاز الأساسي للجيل الراهن من المبتكرين في المعلوماتية والاتصالات الرقمية، التي تشبه في أثرها على المجتمعات العالمية ما أحدثته شبكات الكهرباء. وكما جعلت الكهرباء الطاقة متاحة في الأمكنة كلها، كذا الحال بالنسبة لأثر المعلوماتية والشبكات الرقمية بالنسبة للمعلومات والاتصال. ويحتاج الاقتصاد وشركاته وقتاً كي يُظهر أنماطاً جديدة تستند إلى المعلوماتية والاتصالات الرقمية. وفي مثال بارز، تبدو الصناعة بالطباعة الثلاثية الأبعاد 3D Printing كأنها تبدأ بثورة صناعية مقبلة. وتستعد الطرقات لاستقبال المركبات المؤتمتة (بعضها من دون سائق ويُدار عبر الإنترنت)، فيما تستقبل أجساد البشر عصراً جديداً بالأطراف القوية المزوّدة بذكاء اصطناعي كبير، بل أنها بصدد الدخول إلى الدماغ نفسه! وثمة ثورة أخرى في الابتكار تأتي من طريق عولمته، بمعنى تشابك الأدمغة المبتكرة عبر شبكات عالمية، وهو أمر يحتاج إلى وقت كي يؤتي ثماره، لكنه يغير أشياء كثيرة في عُمق المجتمع. ما هو دور الحكومات في الموجة المتوقّعة من الابتكار، خلال القرن 21؟ ربما يتمثّل «الشيء الفعلي» في أن تحرص الحكومات على ألا تكون عائقاً أمام الابتكار، مع استمرارها في العمل لحماية الصالح العام، على غرار تشدّدها في المعايير العلمية في صناعة الأدوية والمفاعلات الذريّة. وهناك نقد يوجّه إلى نظام حماية الملكية الفكرية في الغرب من اتجاهات مختلفة، بل متعارضة أحياناً. إذ يرى بعض الخبراء أنه يُفرِط في إعطاء براءات عن أشياء كثيرة مشكوك في جدارتها وجدوى حمايتها، فيما يلاحظ آخرون، على غرار الحقوقي الأميركي البروفسور لورانس ليسغ، أنه نظام متمحور حول حماية مصالح الشركات وليس تحفيز الابتكار وتوسيع قاعدته وانتشاره! كما تعطي الحروب الأمثلة الأكثر قوّة عن قدرة الإنفاق الحكومي على تعزيز الابتكار. إذ دعم المحرك النفّاث وبحوث الذرّة والأسلحة المؤتمتة وطائرات الروبوت والمركبات المؤتمتة، إضافة إلى الأطراف الاصطناعية، بل حتى الهياكل الذكيّة ذات القوة العالية. ومع الاشتباه بتحويم شبح توقّف الابتكار، من الواضح أن عودة الحكومات إلى الإنفاق على البحوث تمثّل أحد المفاتيح الأساسية لدرء هذا الشبح المزعج. وبالاختصار، يجدر بالدولة الاهتمام بقدرة المعلوماتية والاتصالات على الدفع بالرعاية الصحيّة والتعليم. وفي الدول المتقدّمة، توّلت الحكومات الإنفاق بغزارة على البحوث والتطوير قبل سبعينات القرن الماضي، وانبثقت من ذلك الإنفاق الحكومي، ثورة المعلوماتية والاتصالات (الكومبيوتر والإنترنت) والثورة الخضراء في تقنيات الغذاء والزراعة، وهي قفزات لم تأت من آليات السوق العزيزة على قلوب غلاة الـ»نيوليبراليّة» والمحافظين الجدد وغيرهم. وللحديث بقيّة.