قبل أيام كان جاري في هذه الصفحة الزميل سعد الدوسري وأنا ضيفين على قناة سكاي نيوز للحديث حول التغييرات الوزارية الجديدة، وقد قلت في ذلك اللقاء وأضيف هنا بما لم يسعني الوقت لقوله: إن السمات القيادية في الشخصية هي ما ينبغي توفرها في منصب الوزير أيًا ما كان البلد أو الثقافة التي ينتمي إليها، ذلك أن الوزير مصدر إلهام وتحفيز ومحاسبة لفريق عمل منظم يتبعه، وليس التخصص في مجال الوزارة شرطًا في نجاحه، فالقيادي الناجح يملك القدرة على استقطاب المؤهلين التنفيذيين والقادرين على ترجمة أهدافه ومتابعة إنجازهم ومحاسبتهم مع تفويض الصلاحيات بالقدر الذي يذيب جليد المركزية، وأشرت أن الأزمة الحقيقية في طول المنطقة العربية وعرضها الآن هو ندرة وضعف حضور هذه النوعية من المسؤولين. **** من وجهة نظري أن الجور في تقييم مرحلة عمل وزير ما يكمن في خطاب جماهيري عاطفي يدعو الوزير الجديد إلى تجاوز مرحلة الوزارة القديمة بالجملة، ووأد كل مساراتها، وقد تجد هذه الدعوة صدرًا رحبًا لمسؤول يتطلع إلى تسجيل عمل جديد إبداعي يسجل في سجل شرفه، لكن دعوة كهذه تغلق الطريق أمام تراكم الخبرات والتجارب في عمل المنظومة الوزارية وتتجاهل المدى الزمني لاستكمال الأفكار وتطبيقاتها، والمأمول من الوزراء الجدد في بلادنا استكمال هذه الأفكار والرؤى ورفع مستوى التنسيق بينهم وبين الوزارات الأخرى لخدمة المواطن بعيدًا عن الأنا الوزارية التي تعزل الوزارات وتجعل كل منها سببًا في تعطيل عمل ورؤى الوزارة الأخرى! **** بعيدًا عن شخصيات الوزراء الذين أرى جليًا حكمة اختيارهم من خلال سيرهم الذاتية وأطروحاتهم قبل توزيرهم، اعتقد أن مناقشة أولويات وزاراتهم وتحدياتها أكثر أهمية وفائدة من الاستغراق في تمجيد أو نقد شخوصهم، وسأحاول في هذا المقال أن أعرج على أهم الملفات التي تنتظر هؤلاء الوزراء وينتظر المواطن دورهم تجاهها، ولعلي أن أفصل فيها ما يتيسر في مقالات لاحقة. وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد: بالقدر الذي نتفاءل فيه مع الوزير الجديد بتقديم خطاب منبري إسلامي متسامح يحاصر أفكار الكراهية والتطرف والإقصاء بقدر ما نأمل في تفعيل ملف ودور الأوقاف في المجتمع، فحجم الأوقاف الإسلامية في بلادنا يتجاوز 500 مليار ريال تمثل 54 في المائة منها أراضي بيضاء غير مدرة للدخل، إضافة إلى تهالك أصول الغالبية منها، هيئة الأوقاف هي ما يأمل المواطن استكماله في عهد الوزير الجديد الدكتور سليمان أبا الخيل. وزارة الشؤون الاجتماعية: فتح قنوات التواصل مع المحتاجين في المجتمع بما يحفظ كرامتهم ويسد حاجاتهم الأساسية بسرعة وفاعلية على رأس الأولويات، وتفعيل برامج إغناء الفقراء خير وأولى من تحجيم دور الوزارة معهم في مبالغ نقدية أو عينية دورية محدودة الأثر، فبرامج تحويل الشباب والأسر إلى منتجين ومنافسين في سوق العمل والإنتاج هي الأبقى والأنجع. وزارة الثقافة والإعلام: بعد نجاح الدكتور عبد العزيز خوجة في إعادة هيكلة الوزارة وتهيئتها شكلاً لتكون أكثر لياقة وأسهل حركة في تحقيق أهدافها، كل الأمل اليوم في الوزير الجديد أن نبدأ في رؤية آثار هذا الشكل الجميل فعلاً على أرض الواقع، ولأن الدكتور عبد العزيز الخضيري صاحب أطروحات عميقة في التخطيط والتنمية فنرفع سقف الأمنيات إلى تطوير خطاب إعلامي تنموي حكومي مواكب لجهد مسيرة التنمية الحالية بعيدًا عن رتابة الطرح العام الفضفاض الذي بات يخفي الجهود على أرض الواقع ويشوهها أكثر من عرضها كما يجب، ولأن محور التنمية هو الإنسان فالأمل أن تتجه بوصلة الوزير أيضًا إلى تطوير وتدريب العاملين في المجال الإعلامي في القنوات التلفزيونية والإذاعية ووكالة الأنباء السعودية وتأسيس مركز تدريب حقيقي قادر على صنع الفرق لقطف نتائجه، والأمل موصول بإعادة النظر في واقع المتحدثين الإعلاميين في الجهات الحكومية، فهم لسان التنمية الناطق ولا بد من إعادة صياغة علاقتهم بالوزارة وحضورهم وتأهيلهم. وزارة الصحة: ترجمة الإنفاق الحكومي الكبير على الصحة تتطلب الأداء الإنساني الذي يحتوي المرضى ويقدم لهم الخدمة الصحية والرعاية بشكل سريع، فالمريض لا يهمه عدد المستشفيات ودقة الأجهزة وتنوعها وعدد العمليات النوعية وشهرتها بقدر الحصول على رعاية وعلاج له ولأسرته ووالديه في مدينته دون الحاجة إلى طرق الأبواب المتكرر! وزارة التعليم العالي: كنا وما زلنا نعاني من فجوة ظاهرة بين التعليم العام والعالي، وكون الدكتور خالد السبتي كان نائبًا لوزير التربية والتعليم يجعل المواطن يأمل أن تردم هذه الفجوة في زمنه لمعرفته بمكمن الخلل وضعف التنسيق الذي ولد مسارين غير متكاملين حتى الآن! وزارة النقل: منظومة النقل في بلادنا الآن تتطور وتتشكل بوجه جديد، كل الأمل أن يتطور مستوى الصيانة لهذه الأصول الوطنية وأن يفتح المجال للشباب السعودي بشكل أكبر في التدريب والعمل. وزارة الزراعة: الأمن الغذائي هو رأس الأولويات وخلفية الوزير الجديد المهندس وليد الخريجي في المؤسسة العامة للصوامع والغلال ستسهم كثيرًا في تعميق هذه الرؤية وتحقيقها بإذن الله. وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات: المأمول أن تزيد مساهمة القطاع بالاقتصاد وتنفيذ وتسريع عمل الحكومة الإلكترونية لأن فيه أبعادًا اقتصادية وأمنًا معلوماتيًا مهمًا. هذه بالمجمل ملاحظات عامة لعلني في قادم الأيام أن أتناول جزءًا منها بالتفصيل، وكل الأمل أن يترجم هؤلاء الوزراء رغبة القيادة الصادقة التي ما فتئت تؤكد كل وقت وكل حين أن الوزير موظف لدى المواطن!