صحيفة مكة - الرياض كشفت دراسة تحليلية نفسية أعدتها حملة السكينة حول مقطع فيديو يظهر عناصر من «داعش» وفي قبضتهم عناصر من «جبهة النصرة» التنظيم المنافس لـ«داعش»، إذ تفنن مقاتلو «داعش» في إذلال مقاتلي «النصرة»، من خلال إخضاعهم في حلقة دائرية في أحد سجون التنظيم الإرهابي، وجعلوهم يصفعون بعضهم بعضاً مرديين: «الجولاني شو.. مُرتد.. الجولاني شو.. مُرتد»، فيما أجبروهم على قول «دولة الخلافة باقية»، إلا أن أحد عناصر النصرة ردد «باغية»، ما جعل سياط التعذيب تشتد على أجساد عناصر «النصرة»، في حين ظهر منهم شخصان يحملان الجنسية السعودية. هذا المشهد المهين ومئات المشاهد من التعذيب والإذلال والتشفي بالقتل واللعب بالرؤوس والأجساد تُعطي دلالات واضحة على الخروج على الشريعة وأحكام الإسلام، ومنافية لكل خلق قرآني حتى مع الأعداء، فيما لخصت حملة السكينة هذه المشاهد «السادية» وغيرها في ضعف الشخصية وشعور بالنقص والدونية، إذ إن الشخصية المكتملة الواثقة لا تجنح إلى التعبير بالتعذيب والإهانة والإذلال. معتبرة أن الشخصية الداعشية الناقصة تحاول ملء هذه الفراغات بالتعويض في ظهور الألم لدى الآخرين الذين هم في وضع ضعيف تحت أيديهم، فالسلاح الذي بأيديهم ليس علامة قوة إنما أكسبهم سلطة جسدية حسية وقتية. وأوضحت «السكينة» أن الواقع الشخصي لهؤلاء مضطرب ومؤلم وقاسٍ، إذ إن ممارسة لذة التعذيب وتشويه الأجساد تعود لأشخاص قادمين في الغالب من تراكمات بيئية واجتماعية مؤلمة وقاسية جعلتهم مضطربين، فإما يميلوا إلى العزلة والانهيار وإما إلى العنف المبالغ فيه. موضحة أن هذه النوعيات غير ملتزمة بأية قيمة من القيم التي تؤسس لوجود بشري مُنتِج وناجح، فلا يمكن أن تقوم عليهم تنمية أو حضارة أو يستقيم لهم استقرار، فهم لا يلتزمون بدين ولا قيم ولا قوانين ولا أعراف ولا أي حد بشري أو فطري أو عاطفي، فقد خرجوا من دائرة الضبط البشري إلى دوائر التيه الفوضوية فأصبحت رغباتهم تقودهم. وتوضح الدراسة: «في حين أن هؤلاء لا يملكون الحد الأدنى من القيم لذلك تكثر بينهم التصفيات والشك وسوء الظن وعدم الثقة، لأنهم لا يمتلكون الثقة الذاتية، هذا في ما بينهم في الجماعة الواحدة فكيف مع الآخرين المخالفين! وهذا ما يفسر تعامل «داعش» العنصري ضد بعض الجنسيات ومحاولة إذلالهم ووضعهم في محك امتحان دائم، فمثلاً الجنسيات الخليجية والأردنية محل تهمة مهما أبدوا مناصرة لهم، ويستخدمون بعض الجنسيات الآسيوية في أعمال التنظيف والغسيل، والمغاربة مع التونسيين يضحون بهم في حرب عصابات المدن، والعراقيين للرئاسة والإمارة، إذ إن هذه التوليفة لا يمكن أن تقوم عليها دولة ولا حضارة، فهي مهيأة بشكل قوي لتقضي على نفسها من الداخل». ولفتت إلى ضعف التدين والورع وظهور نزعة الانحلال الديني التي يحاولون تغطيتها بأوصاف دينية مع تضخم الشهوات لديهم (جميع الشهوات)، فما فعلوه بمن يسمونهن «الأسيرات» و«السبايا» وفتح الأسواق والمزادات عليهن وتعريضهن للاغتصاب والتلاعب جزء من شهوانيتهم الطاغية، بيد أن النفوس السوية المستقيمة تترفع عن مثل هذه الأفعال التي تخالف الدين والخلق والشهامة والعقل الصحيح والفطرة السليمة، كذلك شهوتهم للمال وجعله هدفاً وليس وسيلة، إذ إن مفاوضات «داعش» مع بعض الجماعات يكون المال على رأس أجندتهم للإغراء ومبايعة البغدادي، وهو ما رفضه مقاتلو القوقاز، كذلك شهوة الشهرة وتلميع الذات فالأجيال السابقة من المقاتلين مع ما لديهم من غلو ومخالفات وانحرافات إلا أنهم يميلون إلى أدبيات وضوابط، فقلّت لديهم صور ومقاطع الاستعراض، أما هؤلاء فلديهم كثافة في الاستعراض، حتى أن الغموض يكتنف كثيراً من شخصيات الأجيال السابقة من غلاة المقاتلين وبعض رموزهم يندر وجود تسجيلات لهم، لكن هؤلاء ولما يحملون من شخصيات ناقصة وضعيفة يميلون إلى الاستعراض وإظهار بطولات مُصطنعة. وقالت الدراسة إن هذا الجيل من الغلاة المقاتلين يعيشون حالاً ضخمة من الوهم المسيطر على عقولهم، والذي يتلخص في وهم الخلافة ووهم السلطة ووهم القوة، كما أسهم الإعلام العالمي في النفخ في هذا البالون، وساعد ذلك ضعف الجيوش المحيطة (جيش العراق وجيش سورية) في تخيل القوة الكبرى، إلا أن تنظيم «داعش» صُدم في محاولاته لتنفيذ عمليات كبرى في السعودية كما فشل فشلاً ميدانياً وفكرياً أصابه بنكسة في العُمق، واضطره إلى عمليات فردية باهتة. كما أنه عجز عن تنفيذ أية عملية نوعية كعمليات «القاعدة» في أوروبا أو آسيا، وهذه المقارنة بين «القاعدة» و«داعش» تُقلق رموز ومناصري «داعش» لأنها تكشف الثغرات الكبرى في تنظيمهم وقدراتهم. وتشير الدراسة إلى أن البيعات المتناثرة للبغدادي من فصائل منشقة من بعض التنظيمات والجماعات صورة من صور الوهم، فهم يبايعون «مجهولاً» عبر وسطاء وسماسرة معروفين لدى الجماعات بعدم الثقة، لكنهم يجيدون تسويق الوهم، ويستغلون تهالك تنظيم القاعدة والتنظيمات التي انشقت عنه. والحديث عن الضعف والوهم لا يعني أن «داعش» أو «النصرة» أو غيرهما من مجموعات مقاتلة لا تملك قوة على أرض الواقع أو في الإنترنت بل لديهم قوى «متذبذبة»، والوهم بحد ذاته يُكسب قوة وإن كانت وقتية، لكنها قوة دفع وتحفيز، كما أنهم يُشكلون خطراً حقيقياً، وحال الفوضوية التي يعيشها أفراد وقيادات هذه التنظيمات مقلقة وتزيد من خطورتهم وتهديدهم إلى أقصى درجات التوقع. وكشفت أن عبارات التهديد والوعيد المُحمّلة بتراجيديا العنف والتركيز على الألوان والحركات والخلفيات والبيئة المحيطة كلها تشير إلى وجود رسالة واحدة فقط وهي رسالة «تخويف» و«ترهيب» مُستهلكة، لأنها ببساطة تحولت إلى مادة إعلامية بحتة وليست رسالة ذات محتوى يصلح للتجنيد أو توضيح موقف أو نشر فكر، وفي المقابل عند تحليل أعداد من المقاطع الصادرة عن أفراد بتصوير ذاتي نجد الرسالة مختلفة، وهذا يكشف مدى عمق الهوة بين الإدارة والمناصرين أو أعضاء التنظيم، فأجندة القيادة تختلف عن أجندة الأتباع الذين استقطبوهم لدى «داعش». تكشف الدراسة التي أجرتها حملة السكينة أن التنظيمات الأخرى أكثر تناغماً وتقارباً، وإن كانت بدأت تتأثر بأسلوب «داعش» أو أن المؤثر الأكبر في «داعش» بدأ يطبقها لدى التنظيمات الأخرى المُخترَقة. كما أن التحليل يشير إلى وجود «فصام» لدى هذه التنظيمات بين المحرك الأساس والمؤثر في عالم الإنترنت والأسلوب على أرض الواقع، خصوصاً عندما نستذكر قوة التناغم الفكري والأسلوبي لدى الأجيال السابقة للتنظيمات المتطرفة بين الإنترنت والواقع، إذ إن هذا الفصام يحتاج مزيداً من الدراسة والعناية، بيد أن المخاطبين الآن في الإنترنت ليسوا مرتبطين بشكل قوي بالميدان (هذا بخصوص المنصات الرسمية)، أما المناصرين والمهاجرين فهم في الميدان لكنهم يعيشون حالاً من العزلة. وذكرت «السكينة» أن أسلوب الحوارات الذي نجحت فيه حملة السكينة مع الفئة الضالة لم ينفع مع المتطرفين الحاليين، بيد أن الجيل الداعشي لا يمتلك مخزوناً علمياً كافياً يؤهلهم للحوار، ولا توجد لديهم أية رغبة للدخول في حوارات مطولة، وهذا يؤكد حجم الضعف والاضطراب وعدم الثقة المسيطر على شخصية الغلاة الحاليين. الفيديو