قبل أيام كنتُ في معرض للسيارات حين دخل رجل وسألني بارتباك: "هل هذا معرض السيارات؟" لم أستطع كتم ضحكتي وكدت أقول له: وهل هناك أوضح من وجود الفيل في الغرفة؟! والجملة الأخيرة جملة مجازية تنتشر في انجلترا "Like Elephant in the room"للرد على أي سؤال أو نقاش تكون معرفته بدهية وواضحة (مثل عين الشمس)، وطالما ذكرنا الشمس؛ خذ كمثال قصة الإمام أبي حنيفة الذي كان ماداً رجليه فدخل عليه رجل طويل اللحية نظيف الهندام، تبدو عليه ملامح العلم والصلاح، فلما رآه اعتدل في جلسته وكف رجليه، ثم تكلم الرجل وقال: متى يحين موعد الإفطار؟ قال أبو حنيفة: إذا غربت الشمس. قال الرجل: فإن لم تغرب إلا منتصف الليل؟ فقال: "حان لأبي حنيفة أن يمد رجليه". أيضا هناك الإمام الشعبي الذي عرف بأجوبته المتهكمة على الأسئلة الغبية والمتنطعة (وأعذره في ذلك كون بعض المستفتين لا يتركون مجالا غير الإجابة عنهم بهذه الطريقة) فقد سأله أحدهم مثلا كيف أمسح لحيتي؛ فرد عليه: خللها بأصابعك.. فعاد وسأله: ولكن أخاف ألا تبتل! فقال: انقعها من أول الليل! وخذ كمثال ثالث قصة بني اسرائيل حين أمرهم الله أن يذبحوا بقرة.. أي بقرة.. ولكنهم ظلوا يجادلون ويماطلون ويسألون عن لونها وعمرها ونوعها (فذبحوها وما كادوا يفعلون) ولم يكسبوا غير التشديد على أنفسهم في طلب كان بسيطا وواضحا منذ البداية! تذكر أنت معي؛ كم مرة اضطررت للدخول في نقاشات وجدليات تخص قضايا كنت تعتقد أنها محسومة وواضحة بطبيعتها.. كم مرة اضطررت للإجابة عن مسائل بدهية أو الدفاع عن قضايا هي أصلها جميلة ومباحة (حسب قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة).. حين تتأمل مجتمعنا ككل تكتشف أننا كثيرا ما ننشغل بقضايا لا يفترض أصلا أن نختلف أو نتناقش حولها.. قضايا نخلقها من العدم - أو تتضمن احتمالا بعيدا - فنحولها لقضية مصيرية تستهلك طاقتنا وتعيق تنميتنا وتدور فينا في حلقات مفرغة.. وبدل أن نعمل بقاعدة "فتح الذرائع" أو الأصل في الأشياء الإباحة، نتمسك بقاعدة "سد الذرائع" ونسأل عما لم يرد فيها نص صريح - وبالتالي نلزم أنفسنا بفتاوى متشددة لم تكن لتظهر لو تقيدنا بقوله تعالى (لَاتسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لكُمْ تسُؤْكُم) أو قول رسوله الكريم (إنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم..). أصادف دائما جدليات ومعوقات كهذه في الصحف ووسائل الإعلام وتصريحات المسؤولين.. خذ كمثال من حاول تعطيل قانون التحرش الجنسي بقوله "هذا المصطلح ليس معروفا في قاموس الفقهاء"، أو من عارض عمل المرأة بحجج افتراضية (ليست فقط بعيدة الاحتمال بل وتلغي إرادة المرأة في الفعل ذاته).. وحين نشرت احدى الصحف قبل فترة خبرا بعنوان: "افتتاح السينما في السعودية معلق بموافقة أربع جهات حكومية" قلت لنفسي: "صح النوم، نحن أكثر شعب يملك قنوات سينمائية ويشاهد أفلاما داخل المنزل"!! على أي حال؛ سنتجاهل الآن المسؤول عن إدخال الفيل للغرفة، ونتحدث عن وجوه أخرى للمشكلة تظهر بسبب حجم الفيل نفسه: فحين يتواجد معك في نفس الغرفة سيكتم بالتأكيد على أنفاسك، ويضيق عليك حياتك وبالتالي يصبح من الغباء تجاهله أو إنكار وجوده.. وتصبح المشكلة أكبر حين يكون معك في الغرفة منذ ولادتك فتتعود على وجوده ولا تشعر أنه (يكتم على أنفاسك ويضيق عليك حياتك) حتى تجرب غرفة أخرى فارغة. أما المصيبة الأعظم فهي أن يكون الفيل أكبر وأضخم من أن تراه كاملا - وبالتالي لا تعرف منه غير خرطومه الطويل، أو قدمه الضخمة، أو أذنه الكبيرة.. وهذه حالة طارئة تتطلب خروجك فورا من الغرفة كي تراه من بعيد فتدرك حجمه كاملاً وخطورة التواجد معه في نفس المكان!