أُصيب كثير من المثقفين بخيبة أمل من رفض الأزهر تكفير داعش. ترتكب داعش فظائع يندى لها جبين الإنسانية. يخجل المسلم الصادق عندما ترتكب هذه المنظمة جرائمها باسم الدين الذي يعتز به ويعتز بمثله العليا التي تعلي من شأن حياة الإنسان وكرامته. وما تقوم به داعش فاق كل التجارب المؤلمة في تاريخ الإسلام وغيره من الأديان. تجاوزت داعش كل الخطوط التي يمكن أن يقف عندها الضمير الإنساني. دخلت صحراء موحشة خالية من القيم والعطف الإنساني لكن علينا أن نتذكر أن مشروع داعش حسب ما أعلنت إقامة تنظيم لأي دولة. تغتصب الأراضي وترفع الإعلام وتطبق النظم التي تراها وهكذا. في الواقع لسنا أمام معضلة دينية. من يريد أن يقيم دولة لا نتعالم معه بذرائعه وادعاءاته وإنما بأعماله وأهدافه. نحن والعالم نواجه جريمة سياسية. عندما غزا صدام حسين دولة الكويت كانت أول ذريعة أعلنها (توحيد الأمة العربية) يريد أن يذكرنا ببسمارك الذي وحد المانيا. كانت فكرة أو ايدلوجيا الوحدة العربية براقة وتتسيد الأماني العربية آنذاك لكن لا العرب ولا المجتمع الدولي سمح له أن يجر الناس إلى الحديث عن الوحدة وأن تحاكم فعلته على ضوئها. هل كان صدام حسين بخطوته تلك وحدويا أم غير ذلك؟ هل فعلا توحيد الكويت مع العراق بداية لقيام الوحدة العربية الكبرى.. الخ؟ لم يسمح العقلاء وقادة الدول آنذاك أن يخدعهم صدام. تحدثوا معه عن الفعل وجاءت حربهم ضده على هذا الأساس. احتلال دولة مستقلة والخروج عن النظام الدولي. الشعارات الذي يرفعها المخربون والخارجون على القانون ليست مشكلتنا ولا يجب أن تصرفنا عن الحقيقة. ما يجري على أرض سورية والعراق لا علاقة للأزهر به. ولا علاقة له بالفتاوى. جرائم سياسية تحدث وعلى الدول المتحضرة أن تتدخل وتوقفها. يكفي أن الحرب على داعش وحدت الأعداء قبل الأصدقاء. ما الذي يعنيه عندما تتحد دول كالسعودية وإيران والأردن ودول الخليج والمغرب والعراق ومعهم نظام الأسد وأمريكا ضد داعش؟ هل يتطلب هذا الاتحاد العالمي القادم من كل المشارب الثقافية والدينية والمذهبية هل يتطلب فتوى تكفير؟ قد تكون فتوى تكفير داعش مفيدة في الحرب على داعش ولكن ما هي نتائجها في المستقبل. تكفير داعش يصب في مصلحة داعش ومن يؤيد داعش لا العكس كما نتصور. داعش تريدنا أن نجعل الحرب دينية. كفرني وأكفرك. سينقسم المسلمون. مؤسستنا الدينية تكفر داعش وداعش تكفر مؤسساتنا الدينية. عندئذ سنجد أنفسنا أمام تصويت ديني. من هو المسلم ومن هو غير المسلم. لا شك أن رأي مؤسسة دينية عريقة سوف يفيد في فض بعض المتعصبين عن داعش لكن في النهاية سوف ينزع جزءا من سلطة الحكومات الإسلامية في المستقبل ويسلمها للمؤسسات الدينية. تفرض علينا داعش اليوم ان نشرع في تأسيس سلطة دينية موازية للسلطة السياسية. سلطة كهنوتية يرفضها الإسلام من حيث المبدأ. الأزهر مؤسسة علمية دينية وليست سلطة بابوية. العلم مكانه مقاعد الدرس والحرب والسياسة لهما مكان آخر. قبل هذا وبعد هذا لا نحتاج إلى تكفير داعش، نحتاج إلى تدمير داعش. لمراسلة الكاتب: abakeet@alriyadh.net