عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، صدرت للكاتبة العراقية هدية حسين (المقيمة في كندا) رواية جديدة بعنوان «أيام الزهللة»، ترصد الكاتبة فيها يوميات مدينة منسية ديدنها بساطة العيش وحب الحياة وعشق النساء، فما الذي طفى على سطحها لينقلب مزاجها من الهدوء إلى الصخب ومن البساطة إلى التعقيد، ومن الوضوح إلى الإبهام، ومن الأمان إلى الخوف؟ كيف تداعت حياتها وتحولت إلى كوابيس، أية أصابع عبثت بأمنها، وأي سحر أسود نفذ إلى أعماقها فأحال لياليها إلى قلق؟ أين اختفت راقصة المدينة؟ ولماذا قُتلت(السيدة)؟ ومن اغتصب البنت العمياء؟ وماذا حلّ بالغجري العاشق؟ رواية متعددة الأصوات، فيها الفنان والراقصة، والمفوض الذي يمثل السلطة، والشرطي التابع الذليل، والزاهد بعالمه الجواني وتجلياته المشكوك بها، والرجل المسن الباحث عن شابة تعيد له فحولته، والفقير المعدم الذي حين يختل عالم المدينة يصعد ويسطع نجمه.. وثمة أصوات أخرى مكمّلة لنسق السرد. غلاف الرواية للفنانة العراقية زينب فيضي ومن تصميم ديموبرس، تقع الرواية في 212 صفحة من القطع المتوسط، وهي الرواية العاشرة في سلسلة روايات الكاتبة، ومنها، بنت الخان، ما بعد الحب، زجاج الوقت، مطر الله، أن تخاف، ريام وكفى.. ولها أيضا 7 مجموعات قصصية وكتاب في النقد. من أجواء الرواية نقرأ: .. عند الصباح الباكر طرقت بدرية سلمان باب المختار، بدت أكثر شيخوخة، كما لو أنها عبرت عشر سنوات في أسبوعين قضتهما في العاصمة بحثا عن ابنها سعيد، كانت شفتاها يابستين، وبشرتها مصفرة، وعيناها متورمتين كأنها لم تنم منذ دهر.. طرقت كثيرا، وأصغت بأكثر من حاسة حتى سمعت خطوات قادمة، ومن ثم سمعت صوت المزلاج، وانفرج الباب قليلا، رأت شابة جميلة ما يزال النعاس على عينيها المكحولتين، فوجئت بدرية سلمان، فهي تعلم أن المختار يعيش بمفرده، ثم تذكرت أنها سمعت بأنه ينوي الزواج، لكن أن يكون قد تزوج من شابة بعمر بناته فهذا ما لم يخطر ببالها، ظل المختار دائما في ظنها الرجل الوقور، ربما هذه حفيدته من ابنته التي تعيش في مدينة أخرى.. لكن الشابة النعسانة قالت لها: أهلا خالة، عندها أدركت بدرية سلمان أنها رأت هذه المرأة الصغيرة من قبل، لكنها في اشتباكات عذاباتها لا تتذكرها تماما، ليس هذا مهما، وليس هذا ما جاءت لأجله، ولذلك سألتها: المختار موجود؟ جاء الجواب متهكما: ألم تجدي وقتا آخر للمجيء يا خالة؟ الساعة الآن هي السابعة، وزوجي المختار نائم، يمكنك العودة بعد ساعتين.. وأغلقت الباب، ثم أحكمت المزلاج. شعرت بدرية سلمان بانكسار وخيبة أمام باب المختار الموصود، تكسّرت العبرات في صدرها، لكنها لم تعد إلى بيتها، ظلت جالسة لما يقارب الساعتين، يسلم عليها من يعرفها ومن لا يعرفها، ويتوقف القليل من الذاهبين إلى عملهم، ماشين أو دافعين عرباتهم، ليسألوها عن ابنها، فتعيد الحكاية ببعض الإضافات التي كانت قد نسيتها، لا تمنع دموعها من الجريان، تختتم كلامها دائما: هل تصدّقون أن (سعيد) يمكن أن يقتل السيدة؟ إنه مثل نملة لا تُسمع خطواته، ومثل بياض الحليب في سريرته.