ضربت ضجة كبيرة أحد متاجر الشوكولاته في مدينة سيدني الأسترالية قبل ساعات من الساعة العاشرة صباح أمس قبالة شارع إليزابيث. وقد لاحظ المارة في الشارع الأمر. حيث كانوا يتابعون عبر شاشات التلفاز بأحد الاستوديوهات القريبة، وقد ظن المنتجون أن الأمر عبارة عن سطو مسلح. ولكن بعد مرور عدة دقائق، شاهدوا: الراية. حيث رفعت اثنتان من النساء الرهائن الراية السوداء، المكتوب عليها بخط أبيض باللغة العربية، أمام النافذة. فلم يكن الأمر سطوا مسلحا، حسبما قال الصحافي غلين كونلي. بعض التفاصيل القليلة للغاية صارت محددة. ولم يخرج أي تأكيد رسمي عن المسؤولين تفيد بأن الاحتجاز الواقع في مدينة سيدني هو عمل من أعمال الإرهاب الإسلامي. حيث صرح السيد توني أبوت رئيس الوزراء الأسترالي في بيان صادر عنه يقول: «لا نعرف حتى الآن دوافع الجناة - على الرغم أنه من الواضح أن هناك مؤشرات على وجود دوافع سياسية وراء الحادثة. فهناك أناس، حتى في مجتمع مثل مجتمعنا، لا يزالون يرغبون في إلحاق الأذى بنا». شوهد 5 أشخاص يفرون من ذلك المقهى في مدينة سيدني بأستراليا حيث كان أحد المسلحين يحتجز جماعة من الناس كرهائن وفقا لأسوشييتد برس. والأمر المفاجئ في تصريحات أبوت هي مقولته – «حتى في مجتمع مثل مجتمعنا» – أنه قد يكون هناك ما يبررها. فإن تجارب أستراليا مع الإرهاب قليلة جدا إذا ما قورنت ببعض الدول الغربية الأخرى. فهي لم تواجه أي شيء مثل الجيش الجمهوري الآيرلندي المؤقت أو الألوية الحمراء. ولم تعلن الحداد العام على هجمات كبيرة على شاكلة الـ11 من سبتمبر. أما الآن، وبعد المزيد من التهديدات الصادرة عن تنظيم داعش الإرهابي ومع وجود بعض المقيمين من ذوي الفكر المتطرف التواقين للانضمام لساحات القتال في سوريا، فربما يتلاشى السبب وراء اندهاش السيد أبوت. وأيا كان الدافع وراء أزمة الرهائن في مدينة سيدني، فإن صعود تنظيم داعش قد أثار القلق لدى أستراليا، وينعكس ذلك بصورة جزئية في التشريعات التي تعزز وبشكل كبير من الجهاز الأمني في البلاد. وتعتبر أستراليا من الحلفاء العسكريين التقليديين الأقوياء لدى الولايات المتحدة الأميركية، وقد تعهد أبوت كذلك بمحاربة تنظيم داعش، مرسلا الطائرات المقاتلة والأفراد العسكريين إلى منطقة الشرق الأوسط. ولكن حرب أستراليا ضد الإسلام الراديكالي قد اتخذت موطئا لها في داخل البلاد مثلما هي في الخارج. وفي حين أن مجموعة صوفان تقدر عدد المواطنين الأستراليين المنضمين للقتال مع تنظيم داعش بالمئات، إلا أن السلطات المحلية تشتبه في 100 آخرين يعملون في الداخل. هذا وقد أزعجت مخاوف الإرهاب المجتمع الأسترالي لعدة شهور. وخلال شهر أغسطس (آب) من هذا العام، لفتت الصور البشعة لطفل صغير لأحد الأستراليين المتشددين الذين يقاتلون في صفوف تنظيم داعش على وسائل الإعلام العالمية. فالصبي الصغير، الواقف بجوار والده الفرح به للغاية، يحمل رأسا مقطوعا. وبعد أسبوع من ذلك، دعا أحد الرجال الذين يُعتقد أنه أرفع مسؤول أسترالي لدى تنظيم داعش إلى تنفيذ قطع الرؤوس العلني والعشوائي بحق الأستراليين، مما عجل بتنفيذ أكبر غارة لمكافحة الإرهاب في تاريخ البلاد. وفي الوقت الذي يصدر فيه المسؤولون الأمنيون التحذيرات المشؤومة حيال التهديدات، اعتبر تنظيم داعش أستراليا كأحد 5 أهداف لضرباته الإرهابية. وقد شجع أحد المقاتلين التابعين للتنظيم تنفيذ الهجمات المنفردة في سبتمبر (أيلول) الماضي. وقد قال أحد الأستراليين التابعين للتنظيم على صفحات إحدى المجلات الصادرة عنه «من الأهمية بمكان أن تضرب الهجمات في كل دولة دخلت في التحالف ضد داعش، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وأستراليا، وألمانيا». وأضاف: «يجب على كل مسلم الخروج من منزله، وأن يبحث عن أحد الصليبيين، ويقتله. ومن المهم أن يُعزى ذلك القتل إلى رعاة داعش الذين يطيعون قيادتها.. ينبغي أن يكون نداء المعركة: اعتمدوا على الله واقتلوا الصليبيين». كانت الحركة الجهادية الأسترالية تعتمد قبل ذلك أهدافا مختلفة تماما. أثناء فترة الثمانينات والتسعينات، ركزت الشبكة الجهادية الأسترالية على الخارج، وفقا لوثيقة صدرت في عام 2011 حول الإرهاب والعنف السياسي. وكتب البروفسور سام مولينز يقول: «في جانب كبير من نشاطهم، فإن أولئك الأفراد منخرطون في القوات شبه العسكرية وبعض حالات القتال في الخارج، غير أنهم يبدو لديهم دوافع ضعيفة حيال مهاجمة بلادهم الأم». ولكن عبر السنوات القليلة التالية، وعقب التأثير الكامل الذي خلفته أحداث الـ11 من سبتمبر وغرق الولايات المتحدة في مستنقع حرب العراق، والتعهدات التي بموجبها بدأ المتشددون الأستراليون العاملون في تغيير مواقفهم. والمسلحون، رغم أنهم من المقيمين هناك مدى الحياة، ينظرون عن كثب إلى الوطن الأم حين التخطيط للعنف. ووفقا للسيد أندرو زاميت، وهو باحث أسترالي بارز في شؤون الإرهاب، فإن ذلك التحول قد بدأ في عام 2003. ففي ذلك العام، ألقي القبض على 13 رجلا من مدينة ملبورن و9 آخرين من مدينة سيدني ووجهت لهم اتهامات بتشكيل خليتين منفصلتين للإعداد للهجمات. وقد أدين منهم 18 فردا. وتشير تلك الاعتقالات إلى ما أصبح عليه المتشددون الأستراليون «حديثو التطرف فيما بعد الـ11 من سبتمبر، وخصوصا في بيئة ما بعد حرب العراق»، حسبما وصفها السيد زاميت.