أجهزة البصمة شعار فشل لا نجاح .. وللمجرمين لا للأبرياء والمخلصين..! بقلم الكاتب / د. هلال محمد العسكر لقد عرف الانسان منذ فترة طويلة ان الخطوط المحفورة عند اطراف اصابعه ترسم اشكال معينة، وفي الواقع الصينيون واليابانيون استخدموا بصمات الاصابع باشكال متعددة ولاغراض مختلفة من مئات السنين، لكن اول من اقترح استخدام بصمات الاصابع للتعرف على المجرمين هو الدكتور الانكليزي هنري فولدز عام 1880 . وفي عام 1882 اثبت العالم الانكليزي فرانسيس جالتون استحالة تشابه بصمتين وكان اول من وضع سجلات للبصمات .و ابتكر هنري نظاما لتصنيف و حفظ البصمات بحيث يمكن تحديد هوية شخص ما بين ملايين البصمات خلال دقائق. في مجال ادارة الأعمال وضبط الحضور والانصراف فقد إستخدمها الانجليز والأمريكان الى نهاية القرن الماضي حيث قل استخدامها بعد ذلك بشكل ملحوظ، نظرا لتطور نظريات الادارة في الغرب واستبدالها في عملية إثبات الحضور والانصراف بأسلوب الرقابة الذاتية وتشجيع وتحفيز الموظفين على هذا السلوك الحضاري. المصيبة أن (أجهزة البصمة) التي بدأ مصنعوها يتركونها في مسألة ضبط حضور ونصراف الموظيفين في دوائر الأعمال، جدت اقبالا متزايدا في العالم الثالث -بما فيه العالم العربي-، حيث شجعتها ثقافة المجتمع التي تنسجم مع نظيرية X لعالم الإدارة تيلر، والتي تؤكد على ضرورة مراقبة ومتابعة الموظفين لأنهم لا يؤتمنون، بل وتعتبرها نوعا من التفريط الإداري في المتابعة . أعتقد أننا معشر المسلمين من المفترض أن نكون أول من يراقب نفسه ذاتيا ولا نحتاج لأجهزة بصمة لتراقبنا، لو تمت تربيتنا تربية سليمة وتم تعليمنا تعليما صحيحا، ووجدن القدوة والأنظمة المحفزة والمشجعة على الرقابة الذاتية كسلوك إيجابي وحضاري، ولكن الواقع وللأسف على العكس من ذلك، حيث وجد الغرب أن أجهزة البصمة التي إنتهت لديهم في بيئات العمل الإداري أنها سوقا رائجة ناجحة في عالم لا يصدق بمفهوم الرقابة الذاتية، وحيث تشجعها وتوجه باستخدامها أجهزة الرقابة في الدولة. إن تجربة معهد الإدارة بالرياض تجربة غنية ويجب أن نستلهم منها العبر والدروس الإدارية والسلوكية فيما يتعلق بموضوع مراقبة الحضور والانصراف من خلال أجهزة البصمة، حيث يعتبر المعهد من أوائل الأجهزة الحكومية التدريبية التي تبنت اسلوب الرقابة الآلية من خلال الكروت والبطاقات والبصمة من الثمانينيات، الى أن إنتهى به المطاف قبل عشرين عاما مضت، باستبدال كل هذه الأدوات الآلية بأسلوب الراقبة الذاتية الذي نجح بشكل يبرهن على أن الرقابة كل لا يتجزأ من فلسفة العمل وطريقة وأسلوب ووسيلة إدارته، وإنها ثقافة يمكن تعلمها وتعليمها بالإقتداء والتحفيز والتشجيع وإعطاء الثقة والقيمة للموظف. المؤسف حقا أن أجهزة البصمة التي يعطي استخدامها الانطباع عن عدم الثقة في الموظف وعجز الجهة عن نشر ثقافة الرقابة الذاتية وتشجيع وتحفيز السلوك الإيجابي المنضبط في بيئات العمل، إضافة الى تعميم عدم الانضباط كسلوك على كل الموظفين بما فيهم المنضبط، قد إنتشرت وبتشجيع من الأجهزة الرقابية في الدولة كانتشار النار في الهشيم وصارت سوقا تجاريا مربحا ومشجعا لإقتصاديات الدول المنتجة لهذ ألأجهزة، علما أن التبصيم لا يعني بأي حال من الأحوال الإنتاجية والجودة والعمل والانضباط (يمكن يبصم الموظف غير المنضبط ويخرج ليعود وقت الانصراف ليبصم) وفي هذا بالتأكيد ظلم للموظف المنتج والمبدع الذي سيعامل بمعيار البصمة.! إننا مجتمع عربي مسلم يجب أن يعلم القيم والأخلاق لشعوب الأرض، وأن نضرب المثل الأعلى في الانضباط والرقابة الذاتية والسلوك الإسلامي المنضبط دون الحاجة لإستخدام هذه الأجهزة التي تدل على أننا لا نختلف عن سوانا في عدم الإنضباط الأخلاقي والقيمي الوظيفي؛ وهو أمر مخجل ومحزن ومؤلم في نفس الوقت، ولذلك ندعو بدلا عن ذلك الى العمل على نشر ثقافة الرقابة الذاتية وتحفيزها وتشجيعها في دوائر أعمالنا والاستغناء عن أجهزة البصمة في الحضور والانصراف التي قد يساء استخدامها وتسيء الى سمعتنا وتشكك في قيمنا ومعدن أخلاقنا بسبب قلة لا تمثل السواد الأعظم من مجتمعنا، علاوة على أنها شعار فشل لا شعار نجاح.وأنها تستخدم للمجرمين لا للأبرياء والمخلصين.!