تسرب من كواليس اتفاق أربيل الشهير في العام 2010 الذي شكل حكومة نوري المالكي الثانية، أن عرابيه اتفقوا على «رعاية حقوق الطوائف في مناهج التعليم العالي». وتردد أن موافقة سياسية تمت لجعل الطلبة الشيعة يدرسون تاريخ طائفتهم، وكذا يفعل السنة. وافترض الجميع أن التعليم في الرمادي (غرب)، ليس هو في النجف (جنوب). ومن السهل توقع أن «طائفية المؤسسة التعليمية» في العراق تنحصر في طموحات النخبة السياسية، لكن ثمة جامعة مختلفة تؤسـس نفـسها فـي الـعراق، وهـي التي تقبل مئات الطلبة سنـويـاً ومـعهم عصبـياتهم الطائفية، أو مخاوف عائلاتهم من «الاختلاط الطائفي». أخيراً، صارت الجامعة تستقبل طلبة من الموقع الجغرافي القريب منها، وبدأ عدد الطلبة القادمين من محافظات بعيدة، ينخفض كثيراً. ولم يختلف كثيراً العام الدراسي الحالي لناحية توزيع خريجي الدراسة الثانوية على الكليات، عن الأعوام السابقة. فحرصت العائلات العراقية على ألا يبتعد أبناؤها كثيراً عن محيطهم الاجتماعي القريب، لذلك رفضت تسجيلهم في كليات جيدة، يستحقها معدلهم الثانوي، لمجرد أنها تقع في محافظة ذات غالبية طائفية مختلفة. وخسرت كليات مهمة في الجنوب والشمال، عشرات الطلاب في الأعوام الماضية، كما فقد الطلبة فرصة الدراسة في كليات تنسجم مع معدلاتهم الثانوية، لأنهم يخافون الانتقال إلى محافظة سنية أو شيعية. لم يعد هناك طلبة من البصرة أو بابل يدرسون في جامعة الموصل. هذه الأخيرة من أعرق جامعات العراق، ويقول أساتذة فيها إنهم لم يعودوا يرون طلبة الجنوب على مقاعدها الدراسية. وكذا الحال في جامعة البصرة التي يتحاشى طلبة الرمادي التسجيل فيها. وسيكون من غير الطبيعي أن يذهب طالب سني إلى البصرة، المدينة التي أطلق «الوقف السني» فيها نداء لوقف حملة اغتيال وتهجير العائلات السنية في المحافظة الشيعية. هكذا يبدأ الاستقطاب الطائفي في الجامعات العراقية، من التحضير «الاعتيادي» لورقة القبول في الكليات، الذي لم يعد اعتيادياً، على الإطلاق. وكان الطلبة العراقيون، مع عائلاتهم، يدونون خيارات القبول في الكليات بما يتناسب مع الدرجات التي حصلوا عليها في الثانوية، وكان تسلسل أسماء ومواقع المرافق التعليمية يرتبط بما قد تحصل عليه الدرجة التي نالها الطالب. وحين يخمن الطالب انه قادر على الدراسة في كلية الهندسة في محافظ البصرة، يدون معها كلية الهندسة في الموصل، أو بابل. الآن لا يذهب الطالب الشيعي إلى الموصل، وكذلك لا يأتي السني إلى البصرة. ويقول شاكر جبوري، وهو خبير تربوي لـ «الحياة»، إن مثل هذا العزل الطائفي يقلص فرص الاختلاط الاجتماعي والثقافي بين المكونات العراقية. ويرى جبوري أنه «على المدى البعيد، ستكون الجامعات اقل جودة من جهة المستوى العلمي». ويذكر جبوري مثالاً على تغيّر مستويات التعليم، ويقول إن كلية الطب في جامعة الأنبار من المؤسسات التعليمية المهمة في البلاد، وفي السنوات الأخيرة لم يعد الطلبة الشيعة يذهبون إليها. صارت كلية للسنة. هذا المناخ «الطائفي»، جعل المحافظات التي تضم غالبية طائفية تستحدث جامعات جديدة فيها، والهدف ألا يضطر السنة والشيعة للذهاب إلى مكان بعيد. وصرح مسؤولون محليون في محافظات سنية وشيعية أن «خطط التنمية للحكومات المحلية تضمنت بناء جامعات محلية تصل تكاليفها إلى ملايين الدولارات». ووفر هذا النمط المفرط في الاستقطاب للقائمين على الجامعات، قدرة غير مألوفة لتكريس العزلة، وجعلها حقيقة لا تمكن إزالتها. ويتذكر مثقفون عراقيون كيف رفضت جامعة تكريت (شمال بغداد)، التي تقع في منطقة بغالبية سكانية سنية، رسالة دكتوراه لباحثة عراقية بشأن «الإيقاع في شعر حسب الشيخ جعفر»، حين قالت لجنة الإشراف على الرسالة إنها لا تستطيع قبولها لأن «حسب الشيخ جعفر شيعي وشيوعي»، فيما الصورة المقابلة يتحدث عنها مدرسون سنة قدموا طلبات نقل من محافظات شيعية من أجل العودة إلى مدنهم، السنية بطبيعة الحال.