" عندما عدت الى عُمان وأبوظبي عام 1977 م، وذلك للمرة الأولى منذ غادرت المنطقة في عام 1950م، تملكني الامتعاض وخيبة الأمل بسبب التغييرات التي احدثها اكتشاف وانتاج النفط" هذه المقولة للرحالة الشهير ويلفرد ثيسجر الملقب مبارك بن لندن التي كتبها بحسرة في كتابه الشهير " الرمال العربية " تذكرتها امام عيني وانا اتابع على احدى القنوات الفضائية فيلم وثائقي رائع بكل ما تعنيه الكلمة وهو فيلم " في أثر اخفاف الابل "، والذي يحكي حياة الصحراء بكل تفاصيلها الجميلة بالصوت والصورة المتقنة، وكأنني عندما كنت اشاهد هذا الفيلم ارسم امام عيني الاجزاء المهمة لكتاب " الرمال الصحراء" وويلفرد يسرد بالكلمات جمال الصحراء وحياة البداوة بقوله: "تتجمع سحابة ويتساقط المطر فيعيش الناس، وتتبدد الغيوم بلا مطر، فيموت أناس وحيوانات". ولكن لماذا اثارني في التوقيت هذا الفيلم واستذكار رحلة كتاب مبارك بن لندن، الامر ببساطة هو المتابعة الحالية التي نعيشها بالخليج ونحن نترقب مع كل ساعة الانخفاض الكبير في اسعار النفط، المصدر الوحيد لحياتنا، حتى لو لم نكن كسعوديين مستوعبين واقصد الكثير منا، لحال سوق النفط وتهاوي البرميل من اكثر من 100 دولار قبل اشهر، الى حدود وصلت الى اقل من ال 60 دولارا، الامر يعنيننا بكل ما تعنيه هذه الكلمة، لان النفط يمثل حياة بالنسبة لنا. الامور السياسية المرتبطة بهذه التحولات في الاسعار التي نترقبها حاليا لا تخفى على الكثيرين، انا هنا اتحدث من جانب ليس سياسيا ولا اقتصاديا، الامر اعادني لحياتنا قبل النفط، اعادني للتمتع بفيلم "في أثر اخفاف الابل"، اعطاني تصورا للجانب الايجابي والارادة في حياتنا، جانب لا يربط مكنوننا الثقافي والحياتي بالنفط كسلعة اقتصادية، جعلت البعض يربط اهميتنا فيها فقط، جانب جميل في حياتنا اعطاني مدلولا آخر لعظمة ابن الصحراء، صدقوني الامر يحمل قيمة مهمة من الناحية الانسانية، نعم حياة فيها من الفقر وصعوبة الحياة الامر الكثير، ولكن فيها قيمة انسانية عظيمة تجعلنا نتباهى بها. حياة البدو في الجزيرة العربية والخليج، تحتاج ان يطلع عليها جيلنا الحاضر وجيل المستقبل، لا تفقدوا الثقة بأنفسكم وتعتبروا ان النفط هو هويتنا فقط، ولا تورثوا الاجيال القادمة هذه المقولة، ولا ترهبكم توقعات الساسة وخبراء النفط عندما يقولون ان النفط لدينا "سينضب" بعد 70 عاما، لا تلتفتوا لهذه المقولة، اتيحوا الفرصة لابنائنا لمشاهدة الجماليات الاخرى في تكويننا التراثي والثقافي، ثقفوهم كيف يحافظون ويساهمون في الحفاظ على بيئتهم الصحراوية، اعطوهم جوانب ايجابية، لا تجعلوا التخلف يصل بهم للتباهي بحرق الحيوانات والاصطياد الجائر وغيرها من السلبيات التي نتابعها يوميا في حياتنا للاسف. الافلام الوثائقية عن بلادنا وخصوصا الموروث الثقافي والتراثي لنا، يحتاج ان يتم الاهتمام به، يحتاج ان نعطي الثقة بجيلنا والاجيال القادمة بقيمتنا الانسانية وليس المادية، وزارة الاعلام والتربية وهيئة السياحة الامر يتعلق بهم، لا تجعلوا قيمتنا فقط مرتبطة بأسعار النفط، تذكروا رائعة غازي القصيبي رحمه الله " نفطٌ .. يقول الناس عن وطني.. وطني هو المجد"، نحتاج بالفعل لغرس هذا المفهوم بأنفسنا وبأجيالنا.