«يا مستني طالب بيرزيت يبطل يعاني... يا مستني باسم يوسف يصير اخواني». بهذا التعليق (ستيتوس) على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، اختصرت الطالبة في السنة الرابعة في جامعة بيرزيت أسيل جمال، المأساة التي تمر بها الجامعة المغلقة منذ قرابة شهر. فقد قام طلاب يمثلون جميع الكتل الطلابية، بمن فيها «الشبيبة» الجناح الطلابي لحركة «فتح»، و «الكتلة» الجناح الطلابي لحركة «حماس»، و «القطب» الجناح الطلابي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إضافة إلى غالبية من المستقلين، بالاحتجاج على قرارات إدارة الجامعة «المجحفة» والمتعلقة بزيادة الأقساط الجامعية، فما كان من الادارة إلا أن اصدرت قراراً بفصل البعض منهم في فصلهم الدراسي الأخير. وتعثرت الوساطات، وفشلت المبادرات، ولا يزال الطلاب ينامون في خيامهم، ويرفعون شعار «الجامعة مفتوحة للحوار»، بينما هي في الواقع مغلقة بالسلاسل. وكشف هيثم أبو رضوان منسق «الشبيبة» في جامعة بيرزيت وأحد قادة «معركة الطلاب» كما يسميها ورفاقه، أنهم قد يتجهون في حال استمرت الأزمة إلى المطالبة بإسقاط الإدارة، فيما اكد د. غسان الخطيب نائب رئيس جامعة بيرزيت لشؤون التنمية والاتصال أن ثمة توجهات لتنظيم احتجاجات أمام أحد المقرات السيادية (مقر الرئاسة أو مقر رئاسة الوزراء في رام الله)، من جانب العاملين في الجامعة من أساتذة وموظفين وإدارة، للاحتجاج على عدم إيفاء السلطة بالتزاماتها المالية، والتي تزيد عن مليوني دولار أميركي، على رغم قناعته بأن هذا المبلغ لا يسد العجز الذي تمر به الجامعة. وأبو رضوان، كما يسمي نفسه، طالب في الفصل الاخير من اختصاص العلوم السياسية ويرابط مع زملائه من الطلاب والطالبات عند مدخل الجامعة، حيث نصبت خيام يبيت فيها الشباب الذكور؛ يصف موقف الإدارة بـ «المتعنت». ويشير إلى أن «هدفها لم يعد جمع المال بقدر كسر إرادة الحركة الطلابية»، لافتاً إلى أن رفض الحركة الطلابية لمبادرة وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، جاء «لكونها لا تلبي مطالبهم من حيث حل مشكلة المفصولين، واستثناء القدامى من رفع الاقساط، مع مراعاة أن تكون الزيادة على الطلاب الجدد ضمن المعقول في حال اضطرت إدارة الجامعة لذلك». ويقول أبو رضوان: «نحن نمثل عشرة آلاف طالب، ولا نتحمل مسؤولية إلغاء الفصل الدراسي من عدمه، لكنني على قناعة بأن القائد الناجح حين يتخذ قراراً عليه أن يكون على قدر المسؤولية، بخاصة أن الغالبية العظمى من الطلاب تؤيد ما نقوم به، وهو ما عبرنا عنه خلال إحجامنا عن بدء الدوام في 23 أيلول (سبتمبر) وبمشاركة جميع الكتل الطلابية في الاعتصام». ويعمل الطلاب في الصباح والمساء على حماية الجامعة، خشية أن تتعرض لأي تخريب من طرف ما فيُلصق الامر بالطلاب وتذهب جهودهم سدى. ولذلك يسيرون مجموعات لحماية بوابات الجامعة، ومنع التسلل من خلالها. ويقول أحد الطلاب الواقفين هناك: «نحن متخوفون من محاولات التخريب، لكننا نسير على مقولة د. حنا ناصر رئيس مجلس إدارة الجامعة ورئيسها السابق بأننا نموت من أجل جامعتنا»، متحدثاً عن الاعتداء على الطلاب من بعض الأساتذة والعاملين في الجامعة، بأمر من رئيس الجامعة حين صرخ: «هجووووم». وكشف الشاب عن خدوش وكدمات في أنحاء متفرقة من جسده، مشدداً على رفض الطلبة أي رد عنيف ضد أساتذتهم، لافتاً إلى أن صوتهم وصل إلى الرئيس محمود عباس، عبر شخصيات مقربة منه. وحدة وطنية ويشير أبو رضوان إلى أن الأزمة وحدت الكتل الطلابية حول المطالب نفسها وهو ما أكده محمد زيد، عضو مجلس الطلبة عن الكتلة الإسلامية، بقوله: «نحن هنا من أجل استعادة هيبة وقوة الحركة الطلابية، وثني الجامعة عن قراراتها التعسفية والفردية، سواء المالية منها أم غير المالية. المطلب الرئيسي هو إلغاء تثبيت سعر الدينار الأردني على ما يفوق سعر تداوله في الأسواق الفلسطينية، وهو قرار فردي أدى إلى ارتفاع الأقساط بنسبة ما بين 10 إلى 12 في المئة». ويضيف: «نحن نرفض أن يكون حل الأزمات المالية المتكررة للجامعة على حساب الطالب، وعلى الجامعة ابتداع طرق أخرى. الطلاب ضاقوا ذرعاً، خصوصاً أنها الزيادة الثانية على التوالي في عامين». ويجمع الطلاب على أن أداء الإدارة الحالية سبب رئيس في الأزمة الحالية، وفي أزمات سابقة مرت بها «بيرزيت»، كما يقرون بدور الحكومة التي لم تف بالتزاماتها تجاه الجامعة منذ 2007. ويتابع زيد: «هذا الاعتصام وحّد الحركة الطلابية، سواء على صعيد الخطاب أم على صعيد الأفعال، ونأمل أن تكون هذه الوحدة طريقاً نحو إنهاء الانقسام على الساحة الفلسطينية»، وهو ما يذهب إليه رضوان حين يؤكد أن «بيرزيت» لطالما كانت رمزاً للوحدة الوطنية. وتقول هيا الريماوي، وهي عضو في تكتل «قطب» الطلابي: «منذ أكثر من أسبوع ونحن نشارك طوال ساعات النهار في الاعتصام، في محاولة لتأكيد كذب الاشاعات التي تتحدث عن أن الاعتصام يلبي رغبة بعض الشبان ولا يعكس رغبات الطلاب بشكل عام. نحن هنا نحاول تقديم يد العون لهم والتشديد على أن الاعتصام يعبر عن الجميع أو الغالبية الكاسحة للطلاب والطالبات. ونحن هنا للتأكيد أننا مع مجلس الطلبة في خطواته التصعيدية ضد قرارات إدارة الجامعة». وترفض هيا الحديث عن أن الاعتصام هو لمصلحة تكتل طلابي يعبر عن حزب واحد، مشيرة إلى أن هناك دعماً من الأهل يتمثل في تشجيع أبنائهم على الإضراب، ومدّهم بالغذاء والماء والبطانيات، وهو ما تشدد عليه الطالبة إسراء سدر التي تصف نفسها بالمستقلة. الجامعة تبرر ويرد الخطيب على الاتهامات بالقول إن مخصصات السلطة «لو دفعت كاملة لا تسد ما يزيد عن 5 في المئة من موازنة الجامعة وهي مساهمة محدودة، ولا تغني عن ضرورة توفير مصادر أخرى للتمويل اي بالأساس أقساط الطلبة الذين يدفعون الجزء الأكبر من تكاليف دراستهم، وزيادة أثمان الساعات الدراسية سواء للطلبة الجدد أم حتى القدامى تأتي لأن تكاليف العملية التعليمية ترتفع للأسف، من فاتورة الكهرباء والسولار والماء إلى أجور العاملين، في وقت تنخفض فيه المساهمات الحكومية». هذا الوضع يضع الادارة أمام خيارات صعبة وفق الخطيب: «إما أن تفلس الجامعة وتنهار أو أن نسعى إلى حلها بطرق مختلفة، من بينها الضغط على الحكومة لدفع ما يجب أن تدفعه، وزيادة حملة التبرعات، واتباع سياسة تقشف هي بالأساس متبعة، إضافة إلى رفع الأقساط الجامعية على الطلاب المقتدرين، مع زيادة عدد المستفيدين من صندوق المنح للطلبة المحتاجين». وفي خصوص قرار إدارة الجامعة فصل عدد من الطلاب، وغالبيتهم من الخريجين، يقول الخطيب: «المفصولون ليسوا منتخبين، بمعنى أنهم ليسوا أعضاء في مجلس الطلبة، بل هم من قاموا، وفي شكل شخصي بإغلاق بوابات الجامعة بما يخالف قوانينها، وبالتالي أنزلت بحقهم هذه العقوبات، ومع ذلك هناك فرصة أمامهم لتقديم استئنافات مع بداية العام الدراسي المتعثر ليعاد النظر في قرارات الفصل. نحن نعترف بحق القيادات النقابية بالإضراب، أو الاعتصام، ولكن إغلاق بوابات الجامعة بالقوة عمل غير نقابي وغير قانوني وغير أخلاقي أيضاً، فلا يجوز للطالب أن يمنع أستاذه من دخول الجامعة. هناك إشكالية في الأسلوب الذي يحاول الطلاب من خلاله تحقيق مطالبهم وإن كان بعضها محقاً». وحول التحركات الميدانية للإدارة والعاملين في الجامعة يرى ان «المشكلة أن الطلاب قرروا توجيه غضبهم نحو إدارة الجامعة، التي ليست سبب الأزمة، وطرحنا منذ البداية توحيد الجهود للضغط على المجتمع ممثلاً بالحكومة وبالقطاع الخاص لتحمل مسؤولياته في ما يتعلق بتقديم مزيد من الدعم لمؤسسات التعليم العالي، ولكن للأسف، ولأسباب لا أدري إن كانت سياسية أم لا، اختاروا ممارسة الضغط على الإدارة، حتى وصلنا إلى هذه الدائرة المغلقة». ويرى الخطيب أن «الحل يكمن في إنهاء إغلاق الجامعة، والانخراط في حوار جدي بين الإدارة ومجلس الطلبة، برعاية نقابة العاملين في جامعة بيرزيت ليتم الوصول إلى تفاهمات تسمح بعودة الأمور إلى طبيعتها، ومن دون ذلك ستبقى الجامعة مغلقة».