التراجع الحاد بأسعار النفط أفرز ظاهرة ملفتة وهي متابعة أغلب شرلئح المجتمع لحركة الأسعار والآثار المترتبة على الاقتصاد المحلي والتي صبت كلها في كفة السلبيات كأثر بديهي لأن إيرادات الخزينة العامة ستنخفض حتماً خصوصاً في العام القادم إذا ما استمرت الأسعار بهذه المستويات وساهم الإعلام خصوصاً المرئي وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي بنقل وتكرار الاخبار أو التقارير أو الآراء التي توضح السلبيات من تراجع سعر النفط مما أعطى انطباعات متشائمة طغت على كامل المشهد الاقتصادي وعكس السوق المالي هذه النظرة أيضاً بهبوطه التصحيحي المستمر مكرساً بحركته النظرة السلبية لمستقبل أرباح الشركات عامة دون استثناء. وقد يكون هذا الاهتمام العام يحمل إيجابية التفاعل مع حدث اقتصادي ومحاولة فهم آثاره المستقبلية وزيادة الوعي والثقافة بقطاع النفط الغائبة عن المجتمع رغم أننا من أكبر منتجي النفط عالميا لكن السلبية بهذا الاهتمام أتت من خلال أن كل ما طرح أمام العامة اختزل المشهد الاقتصادي بما سينعكس سلباً على جانب من الاقتصاد وهو إيرادات الخزينة العامة وكم سيبلغ العجز بالموازنات القادمة بينما أغفل تماماً التوسع برؤية الصورة كاملة وما قد تحمله من إيجابيات مستمرة على الاقتصاد وكذلك طبيعة أسواق النفط وأنها سلعة معرضة لتغير أسعارها دائماً لأسباب اقتصادية وجيو سياسية... إلخ كحال أي سلعة أخرى. ومما ساهم أيضاً بإضفاء السلبية عموماً على أيّ صورة أخرى اقتضاب تصريحات المسؤولين المعنيين بالملف الاقتصادي على عبارات عمومية رغم أنها تطمئن بأن الاقتصاد لن يتأثر والتنمية ستستمر بحسب ما خطط لها لكنها بقيت محدودة التأثير لأنها غير متوسعة بمضامينها كما لم نر تقريراً وتفاعلاً من جهة مهمة كوزارة الاقتصاد والتخطيط أو مؤسسة النقد كمثال على آثار تراجع سعر النفط وما هي عوامل القوة التي ستبقي التنمية بنفس الزخم الذي بدأ من سنوات بإنفاق ضخم وغير مسبوق مما ترك الساحة لاجتهادات متعددة وترك المجال لتكريس النظرة السلبية على عامة الناس دون أن يكون هناك دور رسمي فاعل بقيادة الرأي الذي يوضح الحقائق ويفندها بسلبياتها وإيجابياتها على حد سواء، فأسعار النفط حتى لو انخفضت أو ارتفعت هي بالنهاية إيرادات خزينة أما الحراك الاقتصادي فهناك عوامل عديدة تؤثر فيه فمازال الإنفاق الحكومي قويا وكل المشاريع المعتمدة سيبقى الإنفاق عليها قائماً، بل إن أموالها مرصودة أي لن تتأثر بالإيرادات المستقبلية للخزينة كما أن ما رصد لمشاريع النقل العام والإسكان لا يدخل بالموازنة العامة لأنها بميزانيات مستقلة إضافة إلى حجم موجودات البنوك التي تتحرك بالاقتصاد والتي وصلت لأعلى أرقامها تاريخياً مما يعني الاستمرار بالإقراض سواء لقطاع الأعمال أو الأفراد يضاف لذلك إن أسعار النفط لو وصلت إلى مستويات 45 دولاراً ستبقى كافية لتغطية النفقات الأساسية بالموازنة من بنود الرواتب والتشغيل أما الأهم فهو مسألة بناء سعر النفط المتوقع لتقدير الإيرادات إذ يبنى على متوسط أسعار عام كامل وليس حركة التذبذب اليومية أو الأسبوعية ولذلك فإن إيضاح الحقائق حول واقع الاقتصاد من المهم أن يأتي من جهات رسمية معنية بالشأن الاقتصادي أو مؤسسات مالية محلية ذات اطلاع ومهنية عالية حتى تقدم شرحاً وافياً يزيل الغموض الذي رسخ بمفاهيم العامة نظراً لتسارع الأحداث الاقتصادية وتعدد مصادر المعلومات. فبعض التقارير أوضحت أن المملكة قادرة على استيعاب هذا التراجع بسعر النفط لأن لديها احتياطيات مالية ضخمة ودين عام منخفض لكنها بذات الوقت شرحت الحالة المستقبلية بطريقة تبين أن هذه الاحتياطيات ستتاكل كثيراً وكأننا لن بيع نفط أو لن يكون بمقدورنا تفعيل سياسات مالية أو نقدية تقلل من أثر تراجع الإيرادات وتتحوط من اثر ذلك على بقاء التنمية بمستوياتها المطلوبة مستقبلاً. أما عن السوق المالي فبمعزل عن حالة أغلب القطاعات فيه التي ستبقى متأثرة بمحفزات النمو الاقتصادي بعيداً عن إيراد النفط فإن هناك فوائد ستجنيها العديد من الشركات من تراجع أسعار النفط كتباطؤ نمو التضخم أو تراجع أسعار المنتجات البتروكيماوية لانها تدخل بمنتجاتها مما يعني أن التعميم بالسلبيات على السوق المالي لم يكن عاكساً للحقيقة حول مستقبل نتائج القطاعات والشركات كما يجب مما أدى للبيوع العشوائية خلال الفترة الماضية دون النظر إلى القيم المالية للشركات أو الالتفات إلى من يقوم بالشراء بالسوق واقتناص الفرص فيه لفترات متوسطة وبعيدة يعرف أنها ستعود عليه بعوائد مجزية أفضل من فرص بديلة بالاقتصاد. أما الصورة الأخرى التي رافقت ظاهرة متابعة تراجع سعر النفط فهي آراء من عامة الناس قبل المتخصصين رأت بأن ارتفاع الأسعار سابقاً لم تنعكس عليها سواء بزيادة الدخل أو تملك السكن أو خفض معدلات البطالة وهنا ي أتي دور تقييم أداء الوزارات التي تتولى هذه الملفات من جهة كمجلس الشورى أو الجهات الرقابية لمعالجة تلك الإشكاليات التي بالنهاية هي أهم أهداف التنمية فمن غير المقبول أن تتاخر تلك الجهات بتحقيق أهم ما تطمح له خطط التنمية رغم توفر كل الإمكانيات المادية والدعم الكبير من ولاة الأمر حفظهم الله لتلك الجهات بكل ما يحتاجونه أو يطلبوه مادياً ومعنوياً وتنظيمياً فالخلل في طرق إدارتهم لما هو موكل لهم من مهام هو التفسير الوحيد لتباطؤ تحقيق تلك الأهداف مما يتطلب تغييراً بطرق الإدارة لدى هذه الجهات حتى يلمس المواطن التحسن بالأداء بوتيرة سريعة ممكن تحقيقها بيسر وسهولة فالعوائق صغيرة جداً أمام الأمكانيات المتاحة. الحالة العامة السائدة حول تأثير تراجع سعر النفط هي سلبية بامتياز لكنها اختزلت بجانب وأهملت بقية المشهد والسبب هو ضعف التواصل الإعلامي من قبل الجهات المعنية وغياب التقارير المفصلة عن الناس مما يتطلب تحولاً كبيراً بطرق التواصل الإعلامي مع المجتمع لتوضيح الحقائق حتى يكون كل فرد مطلع على ما يدور بالاقتصاد بواقعية ولديه معلومات يستطيع ان يبني عليها توجهاته الاستثمارية والأدخارية لأن الفرد هو أهم محركات أي اقتصاد بدوره الإنتاجي والاستثماري والإنفاقي بالاقتصاد.