الجمود والتقليدية والمبالغة في تقديس التقاليد المتقادمة من أبرز معوقات أي إبداع أو تجديد، ولأن المنطق يقول: إن الجامعات هي "ذروة سنام" العملية التعليمية والبحثية ومكان الانفجار الحقيقي للمواهب والابتكارات فإن وضع الجامعات السعودية في هذا الإطار يحتاج إلى مكاشفة حقيقية وعلاج يتواكب مع لغة العصر إن أردنا تحقيق رسالة التعليم العالي. ولعلي هنا بعد تهنئة الدكتور خالد السبتي بالثقة الملكية الكريمة بتعيينه وزيرا للتعليم العالي أضع بين يديه بعض الأفكار التي أرى أنها قد تسهم في تطوير دور الجامعات البحثي والإبداعي بمفهومه الشامل. أقول هذا من خلال اطلاع مباشر على بعض المشكلات التي تعانيها الجامعات والتي قد تقلل من دورها المفترض في الرقي بجوانب البحث واكتشاف المواهب. فالحقيقة أن هناك فجوة كبيرة بين البحث العلمي الطلابي وتنمية المواهب والقدرات الإبداعية لدى الطلاب، ففي اعتقادي أن الخطوة الأولى التي تعطينا باحثا ومبدعا حقيقيا ينتج ما ينفع مجتمعه، هي تهيئة الطالب والطالبة من خلال تطوير مفهوم النشاط الطلابي في الجامعات، فمن المؤسف أن تبقى هذه الأنشطة أقرب إلى أنشطة المراحل الأولى للتعليم العام ليس فيها الحس الابتكاري، والأسوأ من ذلك أن معظمها نسخ مكررة من أنشطة المخيمات الدعوية، التي لا تتناسب مع فكر ومفاهيم طالب الجامعة في العصر الحديث، وهذا يحتاج إلى قرار حازم ومن أعلى المستويات لكي يصبح النشاط الطلابي متوافقا مع ما يقدم في أرقى الجامعات العالمية، ولكي يخدم جميع فئات الطلاب والطالبات، وتفكيك أي تجمعات أيديولوجية تحاول السيطرة عليه. صحيح أن وزارة التعليم العالي حاولت إيجاد صيغ من التنافس بين الجامعات من خلال المؤتمر السنوي لـ"طلاب وطالبات التعليم العالي" إلا أن ما يقدم في هذا المؤتمر يكشف بكل جلاء الضعف الواضح الذي تعانيه الأنشطة الطلابية في الجامعات. ومع أن الجامعات مستقلة إلى حد ما في قراراتها الداخلية والتنظيمية إلا أنني أعتقد أن على وزارة التعليم العالي بصفتها الجهة الإشرافية العليا وضع أنظمة جديدة تحقق الربط بين وكالات وعمادات البحث العلمي وعمادات شؤون الطلاب، بحيث يكتشف الطالب الموهوب ويوجه ويدعم بشكل حقيقي ليتحول إلى باحث في مجال موهبته حتى وإن كان تخصصه العلمي مختلفا، مما يساعده على الاطلاع على الأسس العلمية للمجال الذي يهواه، فلو كان موهوبا في الفنون أو الآداب أو الابتكار العلمي مثلا يحصل على مساعدة من وحدة متخصصة مرتبطة بعمادة البحث العلمي، تزوده بالكتب والأبحاث المتعلقة بموهبته، مع متابعته ودعمه بدورات تأهيلية. وبهذا نعزز المواهب بالجوانب العلمية والتقنية التي تطورها وتحولها إلى نماذج منتجة بشكل حقيقي. ولكي يتحقق الهدف السابق أعتقد أن على وزارة التعليم العالي التدخل بجدية أكبر وعلى أعلى المستويات لمضاعفة الدعم المالي للبحث العلمي والنشاط الطلابي، وتحديث أنظمتهما وإلزام الجامعات بتطويرهما لكي يكونا فعلا صورة مشرقة للجامعات. alamer@alwatan.com.sa