كلما قلت كلمتين ونصف لا ترضي البعض نسبوني إلى قومي (بنو ليبرال). وأنا لا أعرف هؤلاء القوم ولا أين أقاموا أو رحلوا. وليس اسمي دالا سوى على أنني مسلم ابن مسلم ومسلمة. درست في مدارس المملكة وحفظت ثلثي القرآن في مسجدنا في الحارة القديمة. وما زلت ــ ولله الحمد ــ أؤدي فروضي وأرطب لساني بذكر الله الذي خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف ونتواصل، من غير أن يكون بيننا قبيلة اسمها (ليبرال) من جنوب الجزيرة العربية إلى شمالها. إذا، من أين يأتون بهذه الأنساب الغريبة في حقي وحق غيري، ممن لا يوافقون أهواءهم أو يصفقون ويزمرون لما يقولون، حقا أو باطلا.؟! الحقيقة هي أن هؤلاء الضعفاء في بنيتهم الفكرية يغرفون من قاموس خاص لا علاقة له بالمنطق ولا بالحق، وإنما هو قاموس رصت فيه الألفاظ العنيفة والإرهابية ليصدوا أصحاب الأفكار الأخرى عن اختلافهم ويمنعوا ــ إذا استطاعوا ــ التنوع الطبيعي في المجتمع. والخلاف الأكبر، الذي يذهب ويجيء، في كل سانحة لدى من اخترعوا قبيلة (بنو ليبرال)، هو ذلك الخلاف حول المرأة، التي سئمت هي ذاتها من كثرة ما ترددت شؤونها وأمورها وحقوقها بين المختلفين. بل وحارت فيما هو حقها وما ليس حقها. والسبب أن القبائل الفكرية المتشددة ذهبت بعيدا في تصوير (مغبات) إحقاق هذه الحقوق. وبأن هذا الإحقاق سيؤدي إلى فتن ومزالق يصعب لملمة أطرافها أو سد ذرائعها. ولو أن القوم أخذوا الأمور ببساطة، في شؤون المرأة وغيرها من شؤوننا، لكان الحال غير الحال، ولكنا أكثر حكمة في خطاباتنا وطمأنينة في حياتنا، إذ أن أحدا ــ فيما أعلم ــ حتى لو نسب إلى تلك القبيلة المجهولة، لم يطلب شيئا يتعارض مع ثوابت الدين. كل ما هنالك اختلافات يسعها خلاف علماء المذاهب الإسلامية المعروفة؛ مثل مسألة الحجاب وصفته، أو توظيف المرأة أو ابتعاثها، وما إلى ذلك من موضوعات لا تحتمل كل هذه الغلظة في المواقف المضادة والتوصيفات والألفاظ النشاز التي تقلل من شؤون الناس وأقدارهم وتنفي ــ سلفا ــ حقهم في الاختلاف حول ما استقر عليه هؤلاء وهؤلاء. ومع ذلك، أي مع كل هذه الشدة والغلظة والأنساب المخترعة، فإن أحدا لن يستطيع تحويل لون أحمر إلى أصفر أو العكس. الألوان ستبقى كما هي متنوعة ومتعددة كما خلقها الله. والأفكار، ولو حرص البعض، ألوان لا تتغير إلا بالقهر والإجبار والإرهاب. وهذا أمر سيقاومه الناس بالحفاظ على ألوانهم الخاصة التي يرفضون أن يعتدي عليها أحد، أو يسفهها أو يقلل من شأن وجودها وأثرها. ولذلك، آمل أن نفتح باب حقلنا الفكري والثقافي على صيغة جديدة في الحوار حول الأفكار والاختلاف: باب نقبل فيه كل الألوان ونعطيها الاعتبار الذي تستحقه، على أساس طبيعة الأشياء. وبغير ذلك سنظل نراوح عند تلك النقطة البائسة الضعيفة، نقطة العنف اللفظي الذي لن يغير أبدا واقع الاختلاف، وذلك السلوك البغيض في تعيير الناس بأفكارهم، وكأنها ذنوب ارتكبوها ويجب أن يكفروا عنها.