أين هي احتجاجات وإدانات المجتمع الدولي؟ إذا دانت الأمم والشعوب في جميع أنحاء العالم فكرة "الدولة اليهودية" وطبقت الضغوط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فهذا من شأنه أن يكون هبة عظيمة لنضال الفلسطينيين من أجل العدالة، وإقامة الدولة الفلسطينية. أين هي افتتاحيات الصحف؟ وأين هي نداءاتنا للسفراء الإسرائيليين في جميع أنحاء العالم لنقول لهم: إن دولتكم العنصرية الرسمية أمر غير مقبول. في الولايات المتحدة هناك تركة مريرة من معاملة العنصرية تجاه السود بعد فترة طويلة من إلغاء "العبودية" التي يمكن أن تظهر مرة أخرى. فلقد ظهرت اليوم في أحداث مدينة فيرجسون بولاية ميزوري التي نشبت بسبب قتل الشرطة أحد الشبان السود العُزل، أثار قتله إدانة دولية. عندما فشلت هيئة محلفين كبرى في توجيه الاتهام لضابط الشرطة الأبيض الذي أطلق النار على مايكل براون الأسبوع الماضي، انفجرت فيرجسون بالعنف: أُحرقت السيارات والمباني، ونُهبت المحال التجارية، ودُمرت سيارات الشرطة. وفي إسرائيل قتلت قوات الأمن العشرات من الشباب الفلسطيني الأعزل – في بعض الحالات أطفال (15 أو 16 عاماً) – دون عقاب أو حتى نقد يُذكر. والآن تضغط حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الكنيست لتمرير القانون الأساسي الجديد الذي من شأنه أن يمنح إسرائيل خطوة كبيرة أقرب إلى تبني الفصل العنصري ضد أكثر من 20% من السكان الإسرائيليين العرب والمسيحيين والدروز. فبعد أربع ساعات من نقاش حاد يوم 23 نوفمبر الماضي وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على مشروع "قانون يهودية الدول" بأغلبية 15-6. ومن بين أشد معارضي القانون الجديد الذي من شأنه أيضاً أن يمنح الشعب اليهودي وضعاً خاصاً فوق الأقليات الأخرى وزيرة العدل تسيبي ليفني ووزير المالية يائير لبيد، وقادة من كتلتين في الائتلاف الحاكم. وتعهد كلاهما بالتصويت ضد مشروع القانون، في المقابل هدد نتنياهو بإقالتهما، وربما يتسبب ذلك في انهيار الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة. قدم عضو حزب الليكود في الكنيست زئيف الكين مشروع القانون بهدف تقنين "الدولة القومية للشعب اليهودي"، وأن الحقوق المجتمعية حصر لليهود. وإذا أقر الكنيست هذا المشروع فسوف يصبح جزءاً من القانون الأساسي، ويعطي إسرائيل دستورية، الأمر الذي يتطلب الأغلبية العظمى لإلغائه، علماً بأن إسرائيل لا تمتلك دستوراً مكتوباً، فهي تعتمد حتى الآن على إعلان الاستقلال وعلى حملات دورية قاسية من التطهير العرقي لتأكيد الطابع "اليهودي" لإسرائيل. سيميِّز هذا القانون المواطنين اليهود من المواطنين غير اليهود، كما سينشئ نظاماً ثنائياً مثل الذي كانت تمارسه جنوب أفريقيا تحت حقبة طويلة من الفصل العنصري. وفي الواقع لا تخلو مبادرة نتنياهو من الانتقاد الحاد من قِبل الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، وهو الزعيم الليكودي الرائد من حزب نتنياهو المعتمد من الجماعة اليمينية القوية. دعا ريفلين إلى "الدولة الواحدة" كحل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ عام 2010 عندما كان رئيساً للكنيست. وفي كلمة ألقاها أمام مؤتمر في إيلات، يوم 25 نوفمبر الماضي انتقد ريفلين اقتراح نتنياهو للقانون، وتساءل: أليس هذا الاقتراح يشجعنا في الواقع على التناقض بين الشخصيات اليهودية والديموقراطية للدولة؟ أليس هذا القانون سيكون لعبة في أيدي أولئك الذين يسعون إلى الافتراء علينا؟ ولعبة في أيدي أولئك الذين يرغبون في إظهار تناقضنا بين كوننا شعباً حراً في أرضنا، وبين حريات الطوائف غير اليهودية وسطنا؟". المعروف أن الرئيس ريفلين منافس لنتنياهو داخل الدائرة المقربة لحزب الليكود، ويُعرف الرجلان كذلك بأن لهما عداوات شخصية. فلقد كانت دعوات ريفلين الأخيرة لإنشاء "دولة واحدة" على كامل أراضي فلسطين مع حقوق متساوية لجميع المواطنين غامضة بما يكفي بعدم الثقة، لكنها قد تكون جيدة لإثارة نتنياهو لاتخاذ خطوة نحو الفصل العنصري. وهناك صوت قوي آخر يشن هجوماً عنيفاً على استفزاز نتنياهو هو المدير السابق للموساد شبتاي شافيت الذي كتب افتتاحية بصحيفة "هآرتس" يوم 24 نوفمبر الماضي محذراً: اليوم وللمرة الأولى منذ بدأت في صياغة آرائي الخاصة أشعر بقلق حقيقي على مستقبل المشروع الصهيوني. إنني أشعر بالقلق إزاء التهديدات الجماعية الحرجة ضدنا من جهة، والعمى الحكومي والشلل السياسي والاستراتيجي الذي تعاني منه الحكومة من جهة أخرى، ويقلقني أيضاً التكبُّر والغطرسة، إضافة إلى ما يشبه التفكير المهدوي الذي يدفع بالصراع نحو حرب مقدسة... واقترح شافيت بديلاً يقول: نحن بحاجة إلى إبداع رافعة "أرخميدية" من شأنها أن تُوقف التداعي الحالي وتقلب الواقع الذي نعيشه في الحال. إنني أقترح لابتداع هذه الرافعة اللجوء إلى مقترح جامعة الدول العربية الذي يعود إلى عام 2002، والذي كان للمملكة العربية السعودية دور في صياغته. وعلى الحكومة الإسرائيلية أن تتخذ قراراً مفاده أن ذلك المقترح سيكون الأساس الذي تنطلق منه المحادثات مع الدول العربية المعتدلة، بزعامة المملكة العربية السعودية ومصر". شخصياً إنني أفضل افتتاحية كانت أكثر شجاعة وصراحة من قِبل رئيس البرلمان الإسرائيلي السابق إبراهام بورج نُشرت لأول مرة في أكبر صحيفة ورقية "يديعوت أحرونوت" في سبتمبر 2003، وعلى الصعيد العالمي تُرجمت إلى اللغة الإنجليزية: "استندت الثورة الصهيونية إلى قاعدتين: سلوك مستقيم، وقيادة أخلاقية. ويبدو لي أن كلتا الدعامتين تتعرضان للتهديد والتضاؤل. فالدولة الإسرائيلية الآن تختنق تحت وطأة الفساد والطغيان والظلم. ولهذا فأنا أرى أننا نشهد نهاية للمشروع الصهيوني على الأبواب. وهناك إمكانية فعلية لأن يكون جيلنا هو الجيل الصهيوني الأخير. وستظل هناك دولة يهودية في الغالب في الشرق الأوسط، لكنها ستكون دولة غريبة وقبيحة". كان إبراهام بورج رئيساً للبرلمان الإسرائيلي (الكنيست) في الفترة 1999-2003، ورئيساً سابقاً للوكالة اليهودية، وتعرض لنفي سياسي، لكنه لا يزال يكافح، وهو واحد من 600 من اليهود البارزين الذين وقعوا أخيراً دعوة جماعية لإنهاء المستوطنات، وإنهاء الاحتلال، ومنح الفلسطينيين حقوقهم.