في حين يستعد مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جان فرنسوا جيرو، لاستئناف مساعي الوساطة التي يقوم بها للدفع باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية من خلال جولته المرتقبة في الخليج، وتحديدا إلى إيران والمملكة السعودية، أعلن رئيس مجلس الوزراء تمام سلام من باريس، أن فرنسا «تبذل جهودا لدعم لبنان في كل المجالات»، بما فيها موضوع الانتخابات الرئاسية. وأضاف سلام عقب خروجه من اجتماع في قصر الإليزيه مع الرئيس هولاند وبحضور وزيري الدفاع والخارجية اللبنانيين سمير مقبل وجبران باسيل، إن لبنان «يستعين تقليديا بأصدقائه من أجل إتمام هذا الملف، ولذا كان لا بد من مساعدة فرنسا»، خصوصا أنها «دولة كبرى مؤثرة في السياسة الدولية وفي الحراك الإقليمي»، و«تعمل بنية طيبة»، ما يعني ضمنا أن ثمة من يتدخل في الملف الرئاسي اللبناني من غير نيات صافية. بيد أن سلام، لدى سؤاله عن الموضوع، رفض تسمية أي طرف مكتفيا بالإشارة إلى إسرائيل التي تسعى للاستفادة من الأوضاع. وقالت مصادر فرنسية واسعة الاطلاع لـ«الشرق الأوسط»، إن المبعوث الفرنسي الذي سيكون في إيران بعد أيام للمرة الرابعة، «عاد متشجعا» من المناقشات التي أجراها في بيروت مع مختلف الأطراف اللبنانية والتي سيستكملها بالتحاور مع الأطراف الإقليمية الرئيسية المؤثرة. وبحسب هذه المصادر، فإن باريس التي التقطت ما يشبه الضوء الأخضر من إيران للعمل على «خريطة طريق»، تستفيد من عاملين اثنين: الأول، أنها تتحاور مع كل الأطراف من غير استثناء، وثانيها أن ليس لها مرشح، كما أن لا فيتو لديها على أي من المرشحين. بالإضافة إلى ذلك، أشارت هذه المصادر إلى أن باريس «لا تدخل ولا تريد أن تدخل في لعبة الأسماء، بل ما يهمها توافق اللبنانيين على شخصية مقبولة مع صفات محددة أولها أن يجمع ولا يفرق، وثانيها استعداده العمل مع كل الأطراف». وبحسب التصور الفرنسي، فإن «تفكيك العقد» التي حالت حتى الآن دون انتخاب رئيس جديد «يجب أن تتم بالتوازي في العمل على عقد الداخل والخارج»، وبشكل خاص الاستفادة من «الانفتاح» الإيراني للتغلب على عقبة «حزب الله» وتمسك العماد ميشال عون بترشحه للرئاسة. بيد أن مصدرا سياسيا مهما كان في عداد الوفد الرسمي إلى باريس قال في حوار خاص، إن التفاؤل الفرنسي «غير مبني على أشياء محسوسة، بل ربما سببه القراءة الفرنسية غير الدقيقة للموقف الإيراني» الذي يرى أنه «لم يتغير». ويتساءل المصدر المذكور عن «الأسباب» التي تجعل إيران اليوم تتخلى عن هذه الورقة وعن المقابل الذي تريد الحصول عليه. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد المصدر المشار إليه، أن التسليم بأن «حزب الله» «يخضع» لتمنيات أو مطالب طهران «ليس في مكانه». وفي أي حال، فإن باريس، بحسب سلام.. «تتابع الملف معنا وتحاول أن تساعدنا»، كما أنها راغبة في «إقفال الملف» بحيث يكون للبنان رئيس جديد. وكان الموضوع الرئاسي حاضرا في كل اجتماعات الرئيس سلام الذي التقى الرؤساء الأربعة الفرنسيين (الجمهورية والحكومة ومجلس النواب والشيوخ) ولجنة الشؤون الخارجية في البرلمان ووزير الدفاع بالتوازي مع الملف الأمني من زاويتين: تزويد الجيش اللبناني بأسلحة فرنسية من هبة المليارات السعودية الثلاثة وقدرة لبنان على محاربة الإرهاب على أراضيه. أما الموضوع الثالث والرئيس فتمثل في إلحاح لبنان في طلب المساعدة لمواجهة تبعات وجود أكثر من 1.5 مليون مهجر سوري على أراضيه وحاجته للدعم المالي. يبدو أن ملف السلاح الفرنسي إلى لبنان قد حسم. وبحسب الرئيس سلام، فإن اجتماع الوزير سمير مقبل ونظيره الفرنسي جان إيف لو دريان «وضع اللمسات الأخيرة على الجوانب الفنية والتقنية». وبعد الحصول على الموافقة النهائية من الطرف السعودي الممول، فإن الأسلحة سيبدأ وصولها إلى لبنان والمرجح جدا أواخر يناير (كانون الثاني)، أو بداية فبراير (شباط). وأفاد سلام بأن الرئيس هولاند «أعلن رئيس مجلس الوزراء تمام سلام أن الرئيس الفرنسي «أعطى (بحضوره) تعليماته للتعجيل في تسليم الأسلحة» إلى لبنان، التي تشمل طوافات وزوارق بحرية وأجهزة اتصال مشفرة وصواريخ وأسلحة أخرى إضافة إلى التدريب والصيانة. وقال مصدر حكومي لبناني في باريس، إن فرنسا «ليست وحدها في الساحة»، إذ إن دولا عربية «كالأردن» وغربية «مثل بلجيكا وهولندا والدنمارك» عرضت مساعدة لبنان الذي يريد أيضا شراء أسلحة روسية، خصوصا في قطاع الطيران الحربي. وبرأي سلام، فإن لبنان بحاجة «اليوم» للسلاح لمحاربة الإرهاب؛ إذ إن جيشه الوطني قوي، ولكنه يحتاج للدعم والتسليح. واستفاد سلام من محطته الباريسية لتوجيه رسالتين لفرنسا والغرب من جهة وللبنانيين من جهة ثانية. وفي الأولى، سعى رئيس الوزراء لدحض الفكرة الشائعة من أن لبنان «يوفر بيئة حاضنة للإرهاب» الأمر الذي يراه مغايرا للصواب، لأن اللبنانيين «أثبتوا تمسكهم بالدولة التي عادت لكل أجزاء لبنان». أما الرسالة الثانية فلدعوة اللبنانيين إلى تصحيح الخلل الذي يصيب لبنان مع فراغ مؤسسة رئاسة الجمهورية. وقال سلام: «أتوجه إلى كل القوى السياسية لتدرك المخاطر الكامنة (بلبنان) وإن نجحنا في تجنب المحاذير (المترتبة عليها) حتى الآن، فعلينا الحذر ويجب على هذه القوى أن توقف تناحرها وأن تنتقل إلى مساحة أوسع من التعاون لانتخاب رئيس (جديد)، وعندها سيكون الجيش في وضع أفضل». وبرأي سلام، الحكومة ورئيسها لا يستطيعان الحلول محل رئيس الجمهورية. يبقى موضوع المساعدات التي يطلبها لبنان لمواجهة تبعات وجود السوريين الكثيف في لبنان، خصوصا أن الوعود «المالية» التي أغدقت على لبنان لم يتحقق منها سوى النزر اليسير. وعلى سبيل المثال، فإن الـ700 مليون دولار التي وعد لبنان بالحصول عليها من الصندوق الائتماني الذي أقر في الأمم المتحدة، لم يصل منها إلى لبنان سوى أقل من مائة مليون دولار. وتعي باريس صعوبات لبنان وهي تعمل في إطار الاتحاد الأوروبي والصناديق الدولية لمساعدته. ولخص سلام هذا الواقع بقوله، إن فرنسا «تبذل جهودا كبيرة لدعمنا في كل المجالات». فهل ستنجح في تحريك الجهات القادرة على مد يد العون للبنان بعد أن استجابت لطلبات تسليحه؟