من الخطأ الجذري عزل الظواهر الدينية عن بقية الظواهر النفسية والاجتماعية الإنسانية، مثل ما يسمى «التعصب الإقصائي للأسلاف»، وبالواقع هذه ليست ظاهرة دينية إنما ظاهرة إنسانية وتوجد في كل المجالات، بما فيها العلوم التجريبية والتطبيقية، ومن يقرأ سير العلماء المكتشفين والمخترعين سيجد أنهم عانوا معاناة ملحمية مع المتعصبين للأسلاف في مجال تخصصهم، وكمثال في مجال الفيزياء اكتشاف «الاندماج النووي البارد» والذي أثبت بشكل قطعي، ويقدم إمكانية توليد طاقة نظيفة بدون إشعاعات وبدون حاجة لحرارة عالية وبتكلفة زهيدة، لكن علماء الطاقة النووية التقليدية «الحارة» قاموا بحرب على العالمين اللذين اكتشفاها وعلى كل عالم أثبت صحة اكتشافهما ودمروا مستقبلهم العلمي، وبالإنجليزية مصطلح خاص للأصولية بمجال العلوم التجريبية «Scientism- التعالم». وفي مجال الاقتصاد «Free market fundamentalism-اصولية السوق الحر» وشهره د.جوزيف ستيجلتس الحاصل على جائز نوبل للاقتصاد، وفي مجال الطب تتبدى بتعصب الأطباء ضد الطب البديل، فالأصولية تعني بكل المجالات: التعصب لنظرية قديمة سائدة اتباعها صار من التقاليد واعتبارها مطلقة الصواب وكل ما يختلف عنها ويستجد عليها بدعة باطلة يجب محاربتها وهي القالب الذي على الجميع التقولب به ورفض المراجعات والاجتهادات والتجديد الذي يحتمه ثبوت قصورها، فالتعصب للموروث من الأسلاف نمط عقلي ونفسي يتعلق بشكل أساسي بفقد الإنسان الذي جاوز منتصف العمر للمرونة لتقبل الجديد خاصة أنه يعيده لمقاعد التعلم بعد أن بلغ ذروة الخبرة بالقالب التقليدي لعلمه، والإنسان بالفطرة يريد أن تكون له قناعات ثابتة بأي مجال يعظمه ليشعره ثباتها وكونها مطلقة بالأمان والاستقرار النفسي بتشكيلها للقالب الإدراكي الذي يفهم من خلاله العالم وليقوم بوظيفته ضمن القالب لحفظ القالب ويحصل على «بريستيج» واحترام محيطه بناء على دوره في حفظه ومحاربة من يهدده..