كغيره من المتاحف المنسيّة في أرض مصر، ينزوي «المتحف الجيولوجي المصري» على كورنيش المعادي (جنوب القاهرة) بعيداً من الأضواء. يتبع المتحف «الهيئة العامة للمساحة الجيولوجيّة» التي أنشئت عام 1896، وترى وزارة البترول المصريّة أنه عديم الفائدة، على رغم أنه المتحف الوحيد للتاريخ الطبيعي المصري، بل يقارن بمثيليه في لندن الذي يدرّ ملايين الجنيهات الإسترلينيّة ربحاً سنوياً، وفي نيويورك الذي كان موضوعاً لأكثر من فيلم أنتجته هوليوود. لو كان هناك حرص على العلم، لكان «المتحف الجيولوجي المصري» مقصداً لتلامذة المدارس، لكن وزارة البترول تفضل نادي «إنبي» لكرة القدم عليه، كأن رعاية العلم ليست من وظائفها. في سجل ذلك المتحف عدد من الاكتشافات المثيرة كحيتان الفيوم وأفيال الصحراء الغربية وغيرها التي تكفي لجعله مقصداً دولياً. في الأصل، تمثّل الغرض من إنشاء «الهيئة العامة للمساحة الجيولوجيّة» بدرس أنواع الصخور والتربة والرواسب المعدنيّة وغيرها مما له قيمة اقتصادية في الأراضي المصرية. ومن أهم أعمال «المساحة الجيولوجيّة» استكشاف المناطق غير المعروفة، ورسم خرائط جيولوجيّة لها، وتقديم المعلومات والإرشادات ونشر التقارير والبحوث، والتعرّف إلى المعادن والصخور والإحفوريّات، ودراسة مناطق مشاريع الري الكبرى. أنشئ «المتحف الجيولوجي المصري» عام 1901 كأحد أقسام المساحة الجيولوجيّة، وتمثّل في مبنى داخل حديقة وزارة الأشغال العمومية في شارع «السلطان حسين» (شارع «الشيخ ريحان» في وسط القاهرة حالياً) المتفرّع من «ميدان التحرير» في القاهرة. وفتِح المتحف للجمهور في الأول من كانون الأول (ديسمبر) 1904، ويعتبر أولاً في البلدان العربيّة والشرق الأوسط. وكان من أهم واجباته تسجيل العيّنات المختلفة من صخور ومعادن وإحفوريّات، وكذلك ترتيبها وتصنيفها وتنسيقها وعرضها بطرق فنيّة. سجل الاكتشافات أولى العيّنات التي عرضت في المتحف (1898) كانت إحفوريّات جمِعت من الفيوم، لحيوانات فقاريّة ثديّية. وفي السنة التالية، أرسِلَت تلك العيّنات إلى إنكلترا لتعريفها ودراستها، ثم أعيدت إلى مصر. ونشرت دراسة عنها في «الجريدة الجيولوجيّة الإنكليزية». وكان أول أمين للمتحف هو تشارلز وليم أندروز (1904)، ثم تبعه هنري أوربورن، بينما كان الدكتور حسن صادق هو أول أمين مصري للمتحف. وفي الحرب العالمية الثانية، دُفِنت معظم العيّنات المهمة في الرمال كي لا تكون عرضة للتلف إذا ما قُصِف المكان، وبعد الحرب، أعيدت العيّنات للعرض. واستمر المتحف قائماً في مبناه ذي الطراز الفريد الذي جعله أحد المعالم الحضاريّة للقاهرة، لكنه هُدِم في 1980، بعد عام من احتفال المتحف بيوبيله الماسي، الذي سجّل صدور طابع بريد تذكاري مخصّص له. وجرى تبرير الهدم بإنشاء مترو الأنفاق. ونقلت محتويات المتحف إلى موقعه الحالي الذي يفترض أنه موقّت في منطقة «أثر النبي» على كورنيش النيل. يملك المتحف سجّلاً حافلاً بالاكتشافات الجيولوجيّة. ففي 1979، اكتشف العالم جورج شفينفورث أول عظام متحجرة في «بحيرة قارون» في الفيوم، ضمن رواسب العصر الإيوسيني العلوي. وبعد أعوام قليلة، استطاع العالِم الفرنسي دامس التعرّف إلى عظام لحيوان مائي فقاري من رتبة الحيتان، في المنطقة عينها التي تحوّلت مقصداً لبعثات تنقيب متتاليّة. وعُرِضَت أول حفرية اكتشفت بالكامل في صالة الإحفوريّات الفقاريّة في «المتحف الجيولوجي المصري»، مع هيكل عظمي كامل لحوت من النوع نفسه اكتشفه في 1901 العالِم الإنكليزي بيدنل. يضمّ المتحف 6 إدارات ومعامل للإحفوريّات والمعادن. ويعتبر معمل الإحفوريات، خصوصاً الفقاريّة، من المعامل النادرة في المنطقة العربيّة، إذ يضم مجموعة من المتخّصصين الذين يجهّزون الإحفوريّات على مراحل تستغرق شهوراً، كما ينظّفون العيّنة قبل تدعيمها بمواد حافظة مناسبة، تمهيداً للانطلاق في عملية ترميمها. كذلك ينتِج المعمل نماذج من الجبس والبلاستيك، لبعض الإحفوريّات النادرة، بهدف تمكين الدارسين من الاطلاع على تفاصيلها. ويجهّز معمل الصخور والمعادن، عبر تقطيعها وتعريفها وعمل مجموعات منها للمدارس والبحّاثة، بهدف دعم الوسائل التعليميّة والثقافيّة لزوار المتحف. ويهتم معمل الإحفوريّات اللافقاريّة بتنظيف العيّنات لإزالة الصخور العالقة بها، باستخدام مواد كيماويّة، كي تصبح جاهزة للدراسة. ويشارك معمل الإحفوريّات الفقاريّة في عمل نماذج اصطناعيّة عنها. كذلك تتوزّع مقتنيات المتحف على صالات العرض الثلاثة فيه التي تشرف عليها مجموعة متميزة من الجيولوجيين. ويمكن تعريف تلك الصالات على النحو التالي: 1- صالة عرض المعادن والصخور التي تقدّم مجموعة كبيرة من المعادن وخاماتها، مرتّبة ومُصنّفَة بطريقة علميّة. وينطبق الوصف عينه على مجموعة من الحجارة الكريمة والأصداف المشغولة التي تعود ملكيتها إلى الأسرة الملكيّة السابقة، إضافة إلى مجموعات من الياقوت والـ»سافير» وغيرها. كما تضم الصالة عيّنات تمثّل 3 أنواع من الصخور (الناريّة، المتحوّلة والرسوبيّة)، وهي مصنّفة وفقاً للنوع. 2- صالة الإحفوريّات الفقاريّة التي تعرض إحفوريّات عن حيوانات فقاريّة عاشت في أزمنة جيولوجيّة مختلفة، من أبرزها تلك التي اكتُشِفَت في منطقة الفيوم. 3- صالة الإحفوريّات اللافقاريّة التي تتضمن بقايا لكائنات حيوانيّة أو نباتيّة عاشت في عصور جيولوجيّة مختلفة.